بعد مضي أقل من ثلاثة أشهر تقريباً على هجوم الحركات المتمردة على دارفور قادمة من جنوب السودان وليبيا، واستيلاء القوات المسلحة بعد دحرها الهجومين في شرق وشمال دارفور على مصفحات ومدرعات وعتاد حربي مصري،
بعد هذه الفترة القصيرة زار الفريق أول عوض بن عوف وزير الدفاع القاهرة والتقى بالرئيس المصري ونظيره وزير دفاع المصري، وكان محل حفاوة كبيرة في القاهرة، مما أكسب الزيارة دلالات واضحة واهتماماً لا يغيب عن كل مراقب ومتابع.
> لكن هناك عدة أسئلة حول هذه الزيارة بالرغم من زيارات سابقة لوزير الخارجية وقدوم السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري للخرطوم، وربما تضع مهمة الفريق ابن عوف علاقة البلدين في مسار جديد، لكنها قد لا تعيد ترميم حائط الثقة الذي تصدع خلال الفترة الماضية، ولا تعني الزيارة أن قضايا الخلافات حول حلايب المحتلة مِن قبل الجانب المصري أو دعم القاهرة المعارضة السودانية السياسية والمسلحة واحتضانها قد تم تأجيل هذه القضايا والملفات أو تخفيف الحدة حولها، لكن قطعاً هناك نقاط على درجة عالية من الأهمية لا بد أن تكون قد طرحت على طاولة المباحثات العسكرية السودانية المصرية، خاصة أن هناك مخاوف متضاربة ومتقاطعة من الجانبين، فالقاهرة تتحسس من الاتفاقيات والتنسيقات السياسية والعسكرية بين السودان وإثيوبيا، والخرطوم تبدي قلقاً متعاظماً من تحركات حلفاء مصر في ليبيا خاصة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فالملف الليبي ووجود حركات التمرد الدارفورية هناك في أحضان حفتر يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي السوداني، وتعلم الخرطوم بلا أدنى شك أن جزءاً كبيراً من الحلول والتعامل مع هذا الملف يمر طريقه عبر القاهرة، ولها ضلع مباشر في ما يجري في ليبيا هذا البلد المنكوب.
> وشيء آخر لا يقل أهمية ويشغل بال السودانيين يتعلق بموقف مصر من الأحداث الجارية في جنوب السودان، فمعروف أن مصر تدعم حكومة الرئيس سلفا كير ميارديت، وتتهم المعارضة الجنوب سودانية القاهرة بأن طيرانها الحربي قصف مواقعها أكثر من مرة في أعالي النيل الكبرى وولاية الوحدة وفِي الاستوائية والبحيرات، ورغم النفي المصري إلا أن هناك أدلة تقول المعارضة الجنوبية إنها تؤكد اتهاماتها.
> أما القضايا الثنائية بين البلدين فهي تبدأ وتنتهي من الأغلاط المصرية وما تفعله القاهرة حيال السودان، من احتلال حلايب إلى مصادرة معدات المعدنين السودانيين، وهذه الأخيرة تراوح مكانها منذ عامين تقريباً دون حل، ولا يمكن أن نبني على هذه الزيارة آمالاً كباراً في صياغة علاقة عسكرية جديدة تختلف عما كانت عليه في عهد جعفر نميري أو ما تلاها، فاتفاقية الدفاع المشترك قُبرت من زمن طويل وتباعدت الخطى بين البلدين في هذه الجوانب، ولم تعد موجودة إلا الهواجس أو الحقائق الأمنية والمهددات والمعطيات الشاخصة التي لا تنتهي ولا تندمل جراحها، لكنها قد تكون بداية لمناقشة النقاط الخلافية الحادة التي أعيت من يداويها.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة