الإحصائيات التي أفرج عنها السيد وزير الداخلية عما خلَّفته الحرب بكردفان، فعلاً صادمة ولا أحد يتوقع أن يصل عدد اليتامى الذين خلَّفتهم الحرب إلى (32) ألف يتيم، بالإضافة إلى الأرامل الذين بلغ عددهم (19) ألف أرملة، بجانب (14355) من المعاقين، هذا ما أحدثته الحرب على المواطنين بأرض كردفان، والصانع الأساسي لها هو المواطن نفسه، ولم يمت هؤلاء في حرب فلسطين ولا ضد الغزاة على أرض الوطن، ولكن حرب بين أبناء الوطن الواحد. والذين خلَّفتهم تلك الحرب من اليتامى والأرامل بالتأكيد هم إما أبناء عمومه أو خوولة أو أبناء أخ أو أخت، لأن الحرب التي اندلعت بالإقليم لم تفرِّق بين هذا وذاك، فقد طالت الجميع، وهذه نتيجتها المأساوية، فالأطفال هبوا على وش الدنيا و لم يجدوا آباءهم والنساء فقدن أزواجهن والإقليم تدمَّر وهجره أهله خوفاً أن تطالهم الآلة الحربية الفتاكة، ولذلك فإن حملة جمع السلاح يجب ألا تتوقف وألا تتخوَّف الدولة من أي شخص يرفض التعامل مع هذه الحملة أو يمتنع عن تسليم سلاحه، فماذا يفعل هؤلاء بهذا السلاح القاتل ؟ هل استغل في حرب ضد المعتدين على أهل الوطن؟ وهل هناك حرب بين السودان ودولة أخرى حتى يحتفظ المواطنين به في أيديهم للدفاع عن أرض الوطن؟.
إن السلاح الموجود الآن في أيدي المواطنين هو سلاح يُستخدم ضد المواطنين أنفسهم، واستمرار السلاح في أيدي المواطنين يعني استمرار الحرب.. بل اندلاعها من منطقة إلى أخرى، وبذلك ينتقل السلاح من هذا الإقليم إلى الأقاليم الأخرى ليحصد الأرواح البريئة. فالدولة لابد أن تكون أكثر جدية في جمعه مهما كلَّفها الأمر أو جعلها تتخذ القرارات الصارمة من أجل الوطن والمواطن، فالتساهل سيجعل حملة السلاح يتمادون، ولكن القرارات القوية والصارمة ستخيف أولئك حتى ولو أخفوه تحت الأرض، والإخفاء يعني نجاح الحملة، ومن ثم تقوم الدولة أو حكومة الإقليم بالمراقبة لمن لم يسلِّموا، فالعُمد والشراتي والنُظَّار عليهم دور كبير في جمع السلاح، وألا يكونوا متواطئين مع الذين يحملونه، فالأصوات التي تدَّعي أن جمع السلاح لمصلحة جهة على أخرى أظن أن هذا حديث لا يقبله العقل ولا المنطق، فكيف يجمع سلاح من طرف ويترك للطرف الآخر..
فالدولة نادت بجمعه من أيدي الجميع ولم تقل الجمع من القبيلة الفلانية دون القبيلة الأخرى، وحتى نُظَّار القبائل يجب أن يعلموا أن السلاح أضر بإنسان المنطقة كلها، وعليهم أن يتفاعلوا مع اللجان التي شُكَّلت لجمعه حتى يضمن المواطن حياة خالية من الاضطراب الأمني وأن يمارس حياته بصورة طبيعية خالية من أي نوع من أنواع العنف ولتعود الطمأنينة إليه من جديد بعد سنوات من الاحتراب والقتل، فإنسان دارفور أو كردفان محتاج إلى الأمن ليساعد في عملية التنمية، فنجاح الحملة مرهون بكبار القوم الذين لهم مكانتهم في المجتمع الدارفوري أو الكردفاني، وهؤلاء هم الذين بإمكانهم أن يعيدوا الأمن والاستقرار إلى مناطقهم لأنهم يعرفون أبناءهم فرداً فرداً.. وإذا ما قال ناظر القبيلة أو الشرتاي أو العُمدة كلاماً فكلمته مسموعة عند الجميع ..وهذا يعني أن الحل بيد هؤلاء، والدولة ما هي إلا وسيط يهيئ الملعب، فإن نجحوا فإننا سوف نشهد عودة تلك المناطق إلى الأمن والاستقرار، وأن تقاعسوا فإننا سنظل في حالة حرب مستمرة تقضي على الأخضر واليابس وما تبقى من نسيج اجتماعي.
صلاح حبيب – لنا راي
صحيفة المجهر السياسي