العلاقات المصرية السودانية خط أحمر، ربما كان ذلك هو العنوان الأعرض الذى عبر عنه الرئيس السيسى، عندما استقبل الفريق ركن عوض محمد بن عوف، وزير الدفاع السودانى، عندما قال إننا لن نسمح لأى مشكلة بالتأثير على العلاقات المصرية السودانية، وهو الأمر الذى غاب عنا لسنوات طويلة عندما شاب علاقاتنا توترات متتالية منذ آخر عشر سنوات فى حكم مبارك عندما كانت تدار هذه العلاقات بما يراه الرئيس وحده.
أثبتت السنوات أن استقرار مصر والسودان من شأنه أن يدعم الأمة العربية التى تساق الآن إلى المقصلة.. مقصلة التوتر والفوضى وتفكيك الدولة الوطنية بهجمات جديدة من نوعها بعد اختفاء الاحتلال التقليدى بالجيوش وإحلال الفوضى والنعرات الطائفية وتفكيك بنية المجتمعات بطرق غير مكلفة لمن يخططون للنيل من استقرار المنطقة.
وأثبتت الوقائع المتتالية أن إثارة الفوضى والاقتتال الداخلى وخلق فجوات بين العرب بعضهم البعض لم تؤثر سلبًا على إنتاج النفط.. بالعكس قامت قوى متقاتلة فى ليبيا بمد الغرب بنفط ليبيا وبأسعار أقل من المتعارف عليه وتسابقت قوى من قبل فى العراق على مد الغرب بما يريد، وهو الأمر الذى بدا معه أن الغرب والولايات المتحدة الأمريكية قد غيروا من طرق تعاملهم مع مسألة استقرار المنطقة حرصا على الطاقة.
ولعل عدم وجود النفط بقوة فى الأراضى المصرية والسودانية لم يكن عنصرا سلبيا إذ أن للدولتين موارد أخرى أكثر ديمومة ولديهما كنوز أكثر استقرارا من كنوز باطن الأرض، فالدولتان كبيرتان وتحظيان بموارد بشرية وطبيعية تحتاج إلى إدارة حكيمة نستطيع من خلالها استنهاض الأمة العربية كلها.. السودان غنى بموارده ويحتاج إلى استثمارات فى البشر قبل الاستثمار فيما تملكه من موارد طبيعية كبيرة، ومصر لديها طاقات وقدرات قد تكمل النقص فى السودان، وكلانا له تاريخ مشترك أكثر عمقا من أية روابط أخرى فى محيطنا العربى والإقليمي.
صدق النوايا وحسن الإدارة وقوة الإرادة كلها أمور يجب أن تسود فى العلاقات بين البلدين خاصة أن الشعبين المصرى والسودانى لديهما من الوعى والروابط التاريخية ما جعلهما أقوى من العلاقات الرسمية.. لم نر مواطنا سودانيا يعامل بعنصرية فى مصر ولم نر مواطنا مصريا ضاقت به السودان أوقات الأزمات.. فطبيعة العلاقات الشعبية بين البلدين لها خصوصيتها التى تفرض نفسها على الحاكم هنا أو هناك.
ومصر والسودان بلدان كبيران أنهكتهما مؤامرات حيكت خارج الحدود وقد وقعنا فيها وخسرنا سنوات من الشد والجذب قبل أن نصل إلى هذا المفهوم الذى طرحه الرئيس السيسى أول أمس واضعا خطا استراتيجيا جديدا فى العلاقات بين البلدين، لو صدقت النوايا فإننا قادرون على إنقاذ الأمة كلها وليس البلدين فقط.
عصام كامل
رئيس تحرير بوابة فيتو