من حقي أن أكتب عما حدث في يوم 20 أغسطس من العام 1998م، كما من حق صاحب المصنع الأرباب صلاح إدريس أن يكتب، أو غيره .
أما كوني صاحب حق فلأنني ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بتغطية هذا الحدث، وأظن أنني وحدي الذي قمت بذلك في حينه كمراسل لهيئة الإذاعة البريطانية.. وكما كتبت العديد من الأقلام في تلك الأيام بأنهم كانوا يقفون على التفاصيل من إذاعة لندن، فيما كان التلفزيون يبث مسلسل «زينب والعرش»، وكانت الإذاعة تبث برنامج «عيادة على الهواء» وطبعاً كونهما جهازين حكوميين رسميين فلم يكن لهما أن يحققا ما تحقق لنا، فهما ينتظران البيان الرسمي ونحن لا.
تغطية ضرب مصنع الشفاء التي جعلتني أقدِّم محاضرة سنوياً في كلية الإعلام بالجامعة الإسلامية والأكاديمية الإعلامية بالخرطوم، لأن التغطية استفادت من تقنية حديثة يومها وهو ظهور الموبايل.. وكذلك كان للحوار في كيفية ملاحقة الحدث وهو حي.. ولكن كما رفعت من أسهمي هنا، وكما تلقيت الإشادة من إذاعة لندن، فقد كدت أن أفقد حياتي في اليوم التالي للحدث حين حاولت تظاهرة كاملة أمام مسجد القصر الجمهوري أن تفتك بي وسأروي كل هذا فيما بعد..اليوم كان يوم خميس وكان نادي المريخ ينظم ليلة ثقافية كنت في طريقي إليها.. وأنا أعبر كوبري شمبات من الشرق للغرب، سمعت صوت طائرتين أو ما ظننت أنهما طائرتان.. من الغرب الى الشرق، وسألت نفسي لماذا الطيران في أم درمان.. وأجبتها بسرعة ربما طائرات عسكرية من وادي سيدنا.. ولكن بمجرد وصولي بالقرب من موقف الشهداء رنَّ هاتف الموبايل، وكان المتحدث من لندن الأستاذ حسن معوَّض مدير القسم العربي يبلغني أن أتوجه بسرعة الى الخرطوم بحري لأن الجنرال كولن باول رئيس الأركان الأمريكية يتحدث في مؤتمر صحافي بواشنطن معلناً ضرب وكرين من أوكار الإرهاب في أفغانستان والخرطوم بحري، والأخير مصنع لإنتاج الأسلحة الكيميائية.
تذكرت ما ظننت أنهما طائرتان وبعد أن تجاوزت كوبري شمبات، وبالتحديد أمام ما يُسمى البيت السوري وجدت تجمعاً من الناس فتوقفت ونظرت معهم للسماء وقد ظهر اللهب عالياً.. وعلقوا بأن مصنع الإنتاج والتصنيع الحربي في كافوري «انضرب»، وطبعاً لا مجال للمغالطة.. فتحركت إلى كافوري وبالتحديد بالقرب من موقف شندي بدأت نشرة الساعة الثامنة في لندن، وكان المذيع المرحوم ماجد سرحان معلناً الخبر «ومعنا مراسلنا في الخرطوم على الهواء» وبدأت أشرح القليل الذي معي.وفوجئت بسؤاله بأن هذا المصنع ينتج أسلحة كيميائية ويتردد بأنه مملوك لأسامه بن لادن.. وبكل «شلاقة» نفيت أن يكون لأسلحة كيميائية لأنه في مكان سكن راقٍ ويسكنه عدد من السفراء.. وليتني وقفت عند هذه الجزئية ولكن «الشلاقة» دفعتني لأنفي ملكية بن لادن للمصنع.. وليتني وقفت عند هذا، ولكن واصلت «الشلاقة» بأن المصنع مملوك للجيش السوداني أو جهاز الأمن.. وأظن أنكم عرفتم الآن سر «العلقة» التي كنت سأتعرض لها في اليوم التالي لولا أن ربنا ستر.
بعد أن عبرت كوبري «كوبر بري» من أسفله وأنا متجه شرقاً.. كانت المفاجأة أن النيران على الجهة التي على شمالي والتصنيع الحربي «بريء» .. فقلت «أمانة ما وقع راجل».. ووصلت إلى مكان النيران وقد سبقني كل من عربة المطافئ الأولى والأخ جمال الوالي والسيدة كوثر إبراهيم النعيم وبعدهم وصلت عربة الإسعاف ووالي الخرطوم المرحوم الدكتور مجذوب الخليفة ووزير الزراعة الدكتور نافع علي نافع.. وقمت بعمل أظنه كبيراً في استضافتهما والتغطية الشاملة.. ثم فتح الهاتف للمظاهرات الغاضبة وتحدث الدكتور نافع بالإنجليزي لتغطية إذاعة لندن الإنجليزية.. وانتقلنا للمؤتمر الصحافي وكان في وزارة المالية.
لاحظت أن الأستاذ علي عثمان محمد طه يسترق السمع لمن يهمس في أذنه وينظران نحوي فكررت نفس العبارة «أمانة ما وقع راجل»، ولكن استدعاني شيخ علي بهدوئه وسألني أنت عملت شنو فأجبته.. وعلَّق هل صححت المعلومة.. فقلت «صححتها ساكت ده كلامك» وانتهى الأمر ليلة الخميس.
الانتباهة