المدارس الخاصة.. رسوم فلكية تتحدى قرارات وزارة (التربية)

يبدو أن معظم المدارس والرياض الخاصة في مختلف محليات ولاية الخرطوم، لم تسجل أرقاماً ونسباً صحيحة لدى دفاتر وزارة التربية والتعليم بالولاية، حول زيادة نسبة رسومها الدراسية لهذا العام، بالرغم من قرار وزير التربية والتعليم د.”فرح مصطفى” الذي أصدره في العاشر من يوليو الماضي، وتحذيراته التي أطلقها بعدم الزيادة إلا عبر قوانين ولوائح خاصة، وبأمر كتابي من الوزارة حسب قانون ولوائح التعليم الخاص.
ووفقاً لبعض أولياء الأمور الذين استطلعتهم (المجهر)، فإن الزيادات لهذا العام تمت بصورة (فوضوية) تراوحت ما بين (15% ـ 40%) فما فوق، كيفما اتفق لإدارة المدرسة أو المؤسسة، دون الأخذ بقرار الوزارة، ودون رقابة من الوزارة نفسها التي تركت ولي الأمر في مهب الريح، رغم قانون التعليم الخاص الذي شدَّد بعدم زيادة الرسوم الدراسية للطالب إلا بعد مرور ثلاث سنوات، من بدء التحاقه بالمدرسة، على أن تكون الزيادة بنسبة (20%)، إلا أن واقع الحال يحكي مشهداً مغايراً جعل كثيراً من الأسر تضغط على جراحها وهي تقتطع من قوت يومها لتوفير تلك الرسوم في ظل التدهور الذي تشهده المدارس الحكومية، بينما اكتفت البقية الباقية من أولياء الأمور بالانتظار على رصيف الحلم بإلحاق أبنائها يوماً ما، بتلك المدارس نسبة لضيق ذات يدها.
تحذيرات في الهواء
في الوقت الذي ظلت فيه وزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم بوزرائها المتعاقبين عليها تطلق تحذيراتها (السنوية) بداية كل عام دراسي جديد بعدم زيادة الرسوم الدراسية للمؤسسات التعليمية الخاصة، كانت بالمقابل الزيادات في ارتفاع مستمر، لكل المؤسسات التعليمية المختلفة بكل تصنيفاتها وتخصصاتها، الأمر الذي أضحى معه التعليم قبل المدرسي (الروضة) يضاهي التعليم العالي، بل يتفوَّق عليه في أحيان كثيرة بعد أن تراوحت الرسوم الدراسية للطفل الواحد ما بين(8,000) إلى (9,000) جنيه، وأحياناً تقارب (10,000) جنيه، هذا فيما يتعلق بالرياض التي تدرس المنهج العربي، أما الرياض الإنجليزية فإن الأمر يختلف تماماً، فقد شكت “آسيا عثمان” (ربة منزل) من الزيادات التي فرضتها عليها إدارة روضة “القبس” الإنجليزية، هذا العام والتي بلغت نسبتها (20%) عن العام السابق للتلاميذ القدامى، لافتة في حديثها لـ( المجهر) أن الزيادة قفزت إلى مبلغ (10,800) جنيه، بدلاً عن (8,500)، مشيرة إلى أن الزيادة للفصل الإلكتروني تختلف عن الفصل العادي، وقد بلغت نسبتها (25%)، وقالت: توقعت التزام إدارة الروضة بقرار الوزارة وعدم الزيادة إلا عقب ثلاث سنوات، إلا أنني تفاجأت بتلك الزيادات غير المبررة، وزادت: أشفق على التلاميذ الجدد، فقد ارتفعت رسوم الفصل العادي إلى (12) ألف جنيه، بدلاً عن (10) آلاف جنيه، خارج قيمة الترحيل، بينما بلغت قيمة الفصل الإلكتروني (14,450) بدلاً عن (13,350)، وأضافت: جميع الإدارات يبدو أنها تتفق على تلك الزيادات، فبالنسبة لروضة “القبس” العربية، فقد تراوحت نسبة زيادة رسومهم الدراسية ما بين (10 ـ 15%).
وتناصفها القول صديقتها “سهام محمود” التي استنكرت ارتفاع الرسوم الدراسية بالنسبة للملتحقين القدامى، مؤكدة لـ (المجهر) اضطرارها لإجلاس صغيرتها بالمنزل لحين البت في أمرها بحد قولها، بعد أن فرضت عليها إدارة روضة “رياض الإسلام” زيادة كبيرة عن العام السابق، لافتة إلى أن إلحاق ابنتها (مستوى براعم) بالروضة تم بمبلغ (4,800) جنيه، العام الماضي، لتتفاجأ هذا العام بزيادة رسوم دراسية عالية (6000) جنيه، خارج قيمة الترحيل (2,300) جنيه.
فيما طالبت “هويدا محمد” بضرورة التشديد والرقابة على التعليم الخاص من قبل الوزارة، خاصة أمر الرياض والحد دون وضع أرقام كيفما يحلو للقائمين على أمرها، مشيرة إلى تحويل صغيرتها إلى روضة أخرى تناسب وضعها المادي بعد أن قفزت إدارة روضة (السناء) ببحري برسوم التسجيل من مبلغ (3.800) جنيه، إلى (7000) جنيه.
حتى مدارس الثانوي لا تلتزم
لم يقتصر أمر ارتفاع الرسوم الدراسية على التعليم قبل المدرسي فحسب، فهناك كثير من مدارس الأساس والثانوي الخاصة، التي لم تلتزم إداراتها بقرار السيد الوزير، ولم تلق بالاً لتوجيهاته، كما درجت العادة، بذريعة عدم استقرار الوضع الاقتصادي بالبلاد وغلاء السلع، كما أن هناك بعض المدارس قامت بالتحايل على أمر الزيادات برفع قيمة الترحيل وإنشاء إدارات خاصة لها ورفع قيمة الزي المدرسي.
الوزارة أشارت في بيان سابق عبر موقعها الإلكتروني إلى بعض المدارس التي زادت رسومها الدراسية ومن بينها مؤسسة (القبس) أساس، التي قامت بزيادات كبيرة هذا العام بلغت (20%) على الرغم من قرار الوزارة، وقد استهجن بعض المعلمين بالمدرسة (فضَّلوا حجب أسمائهم) لـ (المجهر) تلك الزيادة الكبيرة للتلاميذ خاصة الجدد، والتي ارتفعت من مبلغ (8,040) جنيه، إلى (10.40) جنيه، خارج الزي المدرسي ورسوم الترحيل، مؤكدين على أن الزيادة غير مناسبة وغير مبررة، وقد شكا السيد “محمد عثمان” موظف، من هذا الارتفاع مشيراً إلى أن بحثهم عن بيئة تعليمية صالحة لأبنائهم لا يمكن أن تكون بمثابة (لي ذراع)، أما الدفع أو الذهاب إلى المدارس الحكومية التي يقصدها المضطر بحد تعبيره، وقال: استبشرت خيراً بقرار الوزارة وقصدت مدرسة “القبس” لتسجيل ابني، وعندما وجدت الزيادة عالية لا تناسب وضعي المادي عدلت عن رأيي وبحثت عن مؤسسة أخرى تتناسب ووضعي.
بالمقابل طالبت “ليلى الفاتح” (ربة منزل) وضع حد لما أسمته بالعبث، مشيرة إلى ضرورة الالتزام بضوابط التعليم الخاص من قبل المؤسسات التعليمية الخاصة المختلفة، وشكت من الزيادة التي فرضتها عليهم مدارس الميرغنية هذا العام بنسبة (20%) كرسوم دراسية فقط، بعيداً عن التراحيل والزي، وقالت: الأمر بحاجة إلى وقفة كبيرة من قبل الوزارة، حيث أن بعض المدارس الخاصة أصبحت تستغل حاجة أولياء الأمور وتهالك المدارس الحكومية.
الارتفاع (المزاجي)
وبزيادة بلغت (44%) لهذا العام، فقد قامت مدارس “المنار” الخاصة بنات، برفع قيمة رسومها الدراسية من مبلغ (9) ألف جنيه، إلى (13,500) جنيه، خارج الترحيل والزي المدرسي الذي ارتفعت قيمة (اللبسة) الواحدة إلى (320) جنيه، بدلاً عن (250) جنيه، وقد جأرت السيدة “مواهب عبد الله” (موظفة) بشكواها لـ (المجهر) حيال ما يحدث في ظل الارتفاع (المزاجي) للرسوم الدراسية من قبل القائمين على أمرها، وقالت: قصدت مدارس “المنار” لما تتمتع بها من سمعة جيَّدة لتسجيل ابنتي بالصف الثاني، وعندما تساءلت عن هذا الارتفاع الكبير في الرسوم أكدت لي إدارتها أن (السوق يحكمها)، وزادت: عندما قصدت مدرسة الخرطوم العالمية لتسجيل ابني، وجدت أن نسبة زيادة الرسوم الدراسية بلغت (18%)، وحينها أدركت أن العملية التعليمية بالمدارس الخاصة بحاجة إلى إعادة تنظيم ووقفة جادة من قبل الوزارة، فكلا المدرستين (الخرطوم العالمية والمنار)، توجدان في بلد واحد وعاصمة واحدة وبذات الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، فما الذي يجعل الأخيرة تزيد رسومها الدراسية بنسبة (44%)؟ وهذا السؤال موجَّه لوزير التربية” د.”فرح”، واستطردت: قمت بعمل جولة على بعض المدارس، ووجدت أن نسب الزيادة غير ثابتة ومتفاوتة، الأمر الذي ينبئ عن فوضى ليس إلا.
في مدارس التعليم الأجنبي حدِّث ولا حرج
وفي الجانب الآخر من التعليم الخاص وهو التعليم (الأجنبي)، كان للوضع حساباته المختلفة، حيث استهجن عدد من أولياء الأمور لـ (المجهر) تلك الطريقة التي تتعامل بها هذه المدارس وفرضها جبايات عالية دون الالتزام بضوابط وزارة التربية والتعليم، وكشفوا عن شكوى تظلُّم قدموها لمدير إدارة التعليم الخاص، فيما يتعلق بمدارس (كامبردج العالمية) عقب فرضها عليهم رسوماً دراسية باهظة مخالفة لضوابط التعليم الخاص وفقاً لما تضمنته شكواهم، وأن إدارة المدرسة خالفت قرار الوزارة وفرضت زيادة على الرسوم الدراسية للعام 2017 ـ 2018 رغم أن أبناءهم من التلاميذ القدامى، لافتين إلى أن المدرسة قامت بإخراج الكتب المدرسية والزي والحقيبة من الرسوم وفرضت قيمة باهظة لها ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قامت بإنقاص نسبة الخصم المقررة بموجب اللائحة للأشقاء والسداد المبكر، مؤكدين على تحصل المدرسة رسوماً باهظة نظير تقديم كتب مصوَّرة غير أصلية وباهتة وزي مدرسي رديء لا تمر أسابيع حتى يصبح خرقة بالية بحد وصفهم.
بعيداً عن مدارس “كامبردج” فقد صب بعض أولياء أمور التلاميذ بمدارس “كبيدة” جام غضبهم على الرسوم المفروضة للتلاميذ الجدد هذا العام والتي تنوَّعت حسب الفصول الدراسية، فقد بلغت الرسوم الدراسية للروضة (21) ألف جنيه، في حين بلغت رسوم تلاميذ الصف الأول وحتى الرابع قيمة (27) ألف جنيه، بينما يدرس تلاميذ الصف الخامس إلى الثامن بمبلغ (30) ألف جنيه، لافتين إلى الرسم الباهظ المفروض خاصة في القسم الثانوي الذي ارتفعت قيمته عن العام السابق بحوالي (42%)، حيث يقدَّر التسجيل لطلاب الصف الأول الثانوي بمبلغ (54) ألف جنيه، بدلاً عن (38) ألف جنيه. ووصف”عثمان عوض”، (تاجر)، الزيادات المفروضة على الرسوم بغير المبررة رغم تحذيرات الوزارة. وفي الأثناء دعت مجموعة من الأسر عبر (المجهر) وزارة التربية والتعليم ضرورة كبح جماح رسوم المدارس الخاصة (الأجنبية)، مستنكرين أن تكون رسوم الحضانة بمدارس الاتحاد العليا (يونتي) بقيمة (58) ألف جنيه، والرسوم الدراسية لبقية المراحل بذات المدرسة (67) ألف جنيه.
وقائع في انتظار المعالجات
هذه استطلاعات عشوائية مع مواطنين استمعت (المجهر) إلى معاناتهم رغم مرور أكثر من شهر على بداية العام الدراسي يدرس أبناؤهم بمدارس مختلفة (عربية ـ إنجليزية)، وهنا لابد من الإشارة إلى اجتماع سابق لوزير التربية والتعليم “د.فرح مصطفى” بحضور مديري التعليم الخاص بالمحليات للتفاكر حول قضايا التعليم الخاص بالولاية، وقد أكد الوزير أن الهدف من الاجتماع هو فرض هيبة الإدارات التعليمية الخاصة بالوزارة والمحليات حتى تتمكن من بسط سلطاتها على المدارس الخاصة، ووعد بعدم التهاون أو المحاباة، منعاً لأي تجاوزات في التعليم الخاص. ليقفز إلى الذهن سؤال حول عِلم الوزير بما يحدث داخل هذه المؤسسات التعليمية من فرض زيادات وفق أمزجة أصحابها للتلاميذ القدامى والجدد معاً؟ وهل تنامى إلى مسامعه تحايل بعض المدارس الخاصة بالإبقاء على رسوم التلاميذ القدامى وفرض زيادات كبيرة على القادمين الجدد وإنشاء إدارات خاصة للتراحيل بقيمة ترحيل عالية بلغت (50%)، فكيف للوزير أن يفعل بعد أن وعد بعدم التهاون وكثير من المدارس الخاصة لم تلتزم بتوجيهاته؟. وتبقى الدعوة مفتوحة ومجددة للارتقاء بالمدارس الحكومية وإعادتها سيرتها الأولى.

تحقيق ـ هبة محمود
المجهر السياسي

Exit mobile version