“التعريب”.. عملية مُتسرعة وغير ممنهجة أضرت بـ”التعليم الجامعي”..!

جملة من الإجراءات الهامة اتخذتها الحكومة في المنظومة التعليمية خلال السنوات الماضية، أبرزها تعريب المناهج والمراجع بالجامعات، والتي بدأت الدولة في تنفيذها في مطلع تسعينيات القرن الماضي، عندما أصدر وزير التعليم العالي آنذاك قراراً يلزم الجامعات بالتدريس باللغة العربية، الأمر الذي غير واقع الدراسة بالكامل في كافة المجالات.

 

تحقيق أجرته الصحفية (إنتصار فضل الله) بصحيفة (الصيحة) تناولت فيه هذا الملف المهم بالنقاش مع عدد من ذوي الإختصاص بالإضافة إلى آراء (100) من طلاب الجامعات المختلفة عبر إستبيان أُخذت فيه عينة عشوائية.

 

منذ إتخاذ الخطوة وحتى الآن ما زال الكثير من الطلاب يؤكدون على أن “التعريب” جريمة أُرتكبت في حقهم كطلاب، وأن الإشكال الحقيقي تمثل في عدم إمكانية إيجاد وتوفير المعاجم، والمراجع، وترجمتها تحت إصرار وعزيمة كبيرة، حيث أظهر الإستبيان أن (80%) من الخريجين يعانون من التعريب بشكله الحالي.

 

وتقول الطالبة (نهى سليمان) آداب النيلين، التعريب تسبب في إبادة ثقافة كاملة، وهو جريمة في حق الطلاب، وعمق الإشكال في الجامعات، نظراً لأن الطالب يتخرج في الجامعة ليبدأ دراسة اللغة الإنجليزية بأسعار مرتفعة، بالتالي أصبح الإنتاج العلمي يواجه مشكلة كبيرة.

 

وأفاد الطالب (سامي عبيد)، ماجستير علوم المختبرات_ جامعة الخرطوم، الدارسة باللغة العربية من الأسباب التي حالت دون تصنيف عدد كيبر من الجامعات السودانية في المراتب الأولى محلياً، وإستبعادها من الترتيب العالمي، حيث أصبحت في مؤخرة الركب.

 

أما الطالب (أحمد عباس) كلية علوم الكيمياء، يؤكد أهمية إحترام اللغة العربية بإعتبارها اللغة الأم، ويجب تعميمها على كافة الدراسات الأكاديمية لإرتباطها بالمجتمعات، إلا أنه يرى أن الإشكال الوحيد يتمثل في عدم إمكانية خلق المعاجم والمراجع وترجمتها تحت إصرار وعزيمة كبيرة، فما زالت هناك مراجع غير مترجمة.

 

بينما يقول أكاديميون ومختصون أن التعريب من حيث المبدأ مطلوب، ولكن ما تم في السودان تم بصورة مستعجلة وعشوائية، وبدون منهجية وإستشارة للخبراء، ووصف بعضهم العملية بأنها (ناقصة).

 

وتقول الدكتورة (ناهد قرناص)، الأستاذ المشارك في التعليم العالي والبحث العلمي، إن ملف التعريب واجه لغطاً كبيراً تزامناً مع أول إصلاح عرفته الجامعات، عندما تم تعميمه على العلوم الإنسانية والإجتماعي، فالمشكلة التي واجهت المجتمع الجامعي بالكامل تمثلت في ضعف وتراجع اللغة العربية في الأساس، وترى د. ناهد أن التعريب غير المؤسس أضر بالطالب، فقضية أن يتم التعريب بين يوم وليلة دون تعريب المراجع والمصادر مشكلة حقيقية واجهت وما زالت تواجه حتى طلاب الدراسات العليا، وأدخلت الجامعات في صراع ودوامة يصعب الخروج منها؛ فاليوم يدرس الطالب الجامعي الملخصات دون اللجوء للمراجع، بالتالي قلت المعرفة كثيراً، والمصيبة أن اللغة العربية في حد ذاتها تراجعن، وصارت الأخطاء النحوية من الكثرة بمكان.

 

أما البرفيسور (عبده مختار) الخبير في العلوم السياسية، فيقول: إن (التيسييس) أضر بمستوى التعليم، وطال ذلك حتى الدراسات العليا، ولكن برغم كل تلك المشاكل والمآسي، لا يمكن القول إن ثورة التعليم العالي فشلت بصورة مطلقة، لكنها كانت ثورة في إتجاه الكم فقط، فبالرغم من تضاعف عدد الجامعات إلى عشرة أضعاف يعتبر إنجازاً مقدراً وطفرة كبيرة، إلا أن ذلك إنعكس سلباً على مستوى التعليم الجامعي وكأنها (ثورة تدمير نوعي)، كما أنه أدى إلى إنتشار (المذكرات) لغياب المراجع باللغة العربية، مما جعل الطالب (سطحياً)، فالتعريب من حيث المبدأ مطلوب، ولكن ما تم في السودان تم بصورة مستعجلة وبدون منهجية وبدون إستشارة خبراء، كما أن الكتب المتوفرة باللغة العربية لم تكن في مستوى المراجع الأصلية باللغة الانجليزية، ولم يتم إنتقال تدريجي للاجيال في هذه العملية، وحدثت فجوة وأثر ذلك سلباً على التدريس وعلى مستوى الطالب، حيث تدهور مستوى الخريج، كما أن الفهم الخاطئ لعملية التأصيل بأنها بالضرورة تعني محاربة اللغة الإنجليزية أدى إلى تدهور اللغة الأولى في العالم (لغة العلم والتكنولوجيا والعولمة)، مما أدى إلى فقدان اللغتين معاً (العربية والإنجليزية).

 

ويُحلل البروفيسور (صلاح شريف) الخبير الإقتصادي، قائلاً: لا شك هناك أهمية لدواعي إستخدام لغة الوطن في التعليم الجامعي، التي تصاحبها دوافع سياسية مرتبطة بأمور السيادة الوطنية والغيرة على اللغة الرسمية، ودوافع إجتماعية تهدف إلى ربط التعليم بالواقع المحلي وتعميمه، ودوافع إقتصادية بفتح مجال الإنتاج للكتاب محلياً وتوفير العملات وتدوير الصناعة، فلكل دافع جوانبه الإيجابية والأخرى السلبية، مما يتطلب التوازن بينهما وتحتاج إلى قرارات حصيفة، فمثلاً الجوانب الإيجابية تمثلت في تجاوز إشكالات اللغات الأجنبية وتعلمها في المراحل الأساسية، وربط المنهج التعليمي بالواقع، وأمور كثيرة جعلت من العلم مسألة للعامة وليست للخاصة، أما الجوانب السلبية، فتتلخص في إفتقار التعريب لمؤسسات لها القدرة على ضبط نوعية اللغة والمصطلحات والمعاجم، بحيث لا يخلّ بمعنى المصطلح، وتجنب التداخل اللغوي وتضارب المقاصد، ولابد من تحديد صارم لمعنى المصطلح بحيث لا يقبل التأويل وسوء الفهم، فالتحرر من الدوافع السياسية والوطنية المتسرعة، وفصل العملية التعليمية من الدوافع الذاتية الضيقة.

 

وتقول الخبيرة الأكاديمية (آمال حسن داؤود)، عدم إستشارة الاساتذة الاكاديميين وعدم الإتفاق عى مصطلحات علمية جعل من الترجمة مهمة شخصية يقوم بها الأستاذ إجتهاداً منه، ويقوم بترجمة المنهج ترجمة فورية الأمر الذي جعل المحاضرات تتحول إلى حصص للإملاء وبات يوزع المنهج في شكل مذكرات الأمر الذي أنهى علاقة الطالب الجامعي المكتبة، وأصبح لا فرق بينه وبين طالب الثانوي، هذا التسرع يدل على أن قرار التعريب كان فقط قراراً سياسياً في المقام الأول، والدليل أن المناهج التي تم جلبها من بعض الدول العربية إتضح فيما بعد عدم صلاحيتها للطالب السوداني، فالتعريب أضر بالخريج في سوق العمل نتيجة لجهله باللغة الإنجليزية، وحتى على مستوى الماجستير والدكتوراه تجد الطالب لا يستطيع أن يبحث عن المعلومة ولا كيف يحللها.

 

ود فضل_ النيلين

 

Exit mobile version