ما بعد الوثيقة.. إصلاح الدولة.. الحال بعد (عامين) من الدعوة الجهرية

عامان من الدعوة الجهرية، قضتهما الحكومة تبشر الناس ببرنامج إصلاح الدولة، فهل تحقق الصحيفة المكناة بـ (وثيقة الإصلاح) أهدافها أم تأكلها الأرضة؟ عموماً، لا يزال حزب المؤتمر الوطني القائد للحكومة بأريحية، مؤمن بالوثيقة، ويعتنق أهدافها، ويسعى إلى تنفيذ برنامج خاص في مجالات الخدمة المدنية يشرف عليه النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس الوزراء القومي، الفريق أول ركن، بكري، حسن صالح، بالتوازي مع إعادة تنظيم صفوفه بواسطة نائب رئيس الحزب لشؤون التنظيم المهندس إبراهيم محمود.
بيد أن الناظر إلى مسألة الإصلاح في الدولة يجدها في حاجة ماسة لعمل متسارع، حيث لا يمكن أن يتباطأ مشروع هدف الرئيس تسريع وتيرة إنجاز العمل والمعاملات، وذلك لأجل إقناع الناس عبر النتائج المخبرية، بجدوى الإصلاح، لا سيما لمن خبروا الخدمة المدنية في عقودها السابقات.
معايير
بالعودة إلى الوثيقة نجدها حوت مجموعة من النقاط والمحاور سواء تلك المتعلقة بالحزب في تفعيل القواعد واختيار المواقع والترشح لها وفقاً لمعيار الكفاءة والقدرات والإمكانيات بعيدًا عن أي أنماط ومقومات جهوية وإثنية وهو ما يؤكد رغبة حزب المؤتمر الوطني الذي يقود الحكومة في الذهاب بعيدًا عن السياسات السابقة والتي لا تكاد تخلو منها حسابات المكون الديمغرافي والقبلي.
الحوار
أطلقت الدولة مبادرة الحوار الوطني التي ركزت على قضايا بعينها بهدف إنهاء الحرب في دارفور والمنطقتين “جنوب كردفان، النيل الأزرق”، ومن ثم تجميع صفوف كافة السودانيين بمختلف مشاربهم السياسية والاجتماعية بما يسهم ويساعد في تخفيف حدة التباين السياسي، ويقلل من الأعباء المعيشية، ويسهم في الحد من الفقر بحسبانه يكاد أن يرمي غالبية السودانيين لما دون خطوطه، كذلك مع إنهاء صراع الهوية والجدل الذي لطالما استعر في كثير من الأحيان لصالح إثارة وتأجيج الحرب من قبل السياسيين والنخب، فضلاً عن إقامة علاقات خارجية لدولة تقوم على نهج التوازن وتبادل المصالح المشتركة دون التدخل في شؤون الآخرين.
بطء
رغماً مما سبق، فقد مضت الدولة بصورة بطيئة في تنفيذ بعض الخطوات، منها على وجه المثال تكوين حكومة الوفاق الوطني التي كانت خطوة أولى في مسار مخرجات الحوار الوطني لإشراك أكبر قدر ممن القوى والأحزاب السياسية بالبلاد من عبر إقرار تعديلات دستورية أتاحت مؤخرًا دخول مجموعة من قيادات الأحزاب إلى البرلمان لمراقبة وتتبع خطوات إنفاذ هذه المخرجات.
يقول عضو القطاع السياسي بحزب المؤتمر الوطني د. ربيع عبد العاطي لـ(الصيحة) أن الحزب قد قطع شوطاً كبيرًا في عملية الإصلاح التي هي ليست بالمسألة الآنية وإنما بالمسألة المستمرة على مدار الزمان من حيث التقييم والتقويم، مدافعاً في الوقت نفسه عن عدم وجود خطوات ملموسة لهذا الإصلاح خاصة على مستوى قضايا الدولة ومنها القضية الاقتصادية التي ما تزال حجر عثرة أمام الحكومة دون إيجاد حلول ناجعة ونهائية.
موضحاً أن الحكومة قامت بوضع البرنامج الخماسي الاقتصادي والذي يعتمد على “جند” الإنتاج في المقام الأول وهو ما نحتاجه الآن بغرض سد الاحتياجات، وكذلك الانتقال من مرحلة الاستهلاك إلى التصدير، بصب الاهتمام على الزراعة وإعفاء مدخلات الإنتاج منها مقرًا في الأثناء بوجود إخفاقات وهفوات لازمت برنامج وثيقة الإصلاح للحزب والدولة التي تجاوزت العامين حتى الآن.
وطالب عبد العاطي بعدم الانسياق وراء اليأس والإحباط والالتفات إلى مجمل الخطوات الإيجابية التي قامت بها الحكومة في الفترة الماضية برغم من مجموعة الضغوط التي يعيش فيها السودان، مسترشداً في ذلك بخطوة حكومة الوفاق الوطني التي جاءت نتيجة فعلية للحوار الوطني الذي امتد لنحو عامين وفقاً لوثيقة وطنية تم التوافق عليها بين عدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية بما فيها المعارضة.
مؤكداً أن التحدي الماثل يظل في إيقاف الحرب والانتقال لمرحلة السلام، مع المضي في إقامة علاقات خارجية جيدة وفتح باب للاستثمارات من خلال تهيئة المناخ ووضع القوانين المؤهلة لذلك والمساعدة والمشجعة لجلب رؤوس الأموال ورجال الأعمال إقليمياً ودوليًا.
إعادة النظر
بدوره يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين د. عصام عبد الوهاب بوب لـ(الصيحة) إن السياسات الاقتصادية الخاطئة كلفت الدولة كثيرًا، مشيرًا لوجود حاجة ماسة لإعادة النظر فيما تقوم به الدولة من تسريع خطوات ترشيد الصرف وتنشيط خطى محاور البرنامج الخماسي وتشجيع الإنتاج والإنتاجية.
منوهاً إلى أن الحكومة حتى الآن لم تقدم على إصلاحات تمكنها من تشجيع رؤوس الأموال مستدلاً بقانون الاستثمار السوداني الذي دعا إلى مراجعته حتى تستطيع الدولة استعادة عافيتها.
كذلك، حث بوب على تنفيذ قرارات الإعفاءات الجمركية لمدخلات الإنتاج وكل ما يتعلق بمقتنيات المغتربين باعتبار أن ذلك يجب على الدولة مدخرات مالية كبيرة.
محاربة الفساد
طالب بوب بالعمل الجاد لمحاربة الفساد وذلك مؤشر وعلامة للإصلاح الحقيقي، قائلاً بضرورة الابتعاد في أروقة الخدمة المدنية والمعاملات الحكومية كافة عن المحسوبية والمحاباة ووضع معايير تتسق مع سمات الكفاءة والخبرة وهو ما يحتاج للإسراع في تطبيق قانون مكافحة الفساد وتكوين المفوضية المعنية بذلك الأمر. ويوضح بوب أن الإصلاح الاقتصادي ليس بالأمر الصعب إنما هو في حاجة إلى إرادة حقيقية وسياسية تستوجب معرفة مواطن الخلل والوقوف على علاجها وتطبيبها، مضيفًا بأنه في ظل الدولة العميقة – حد تعبيره ــ سيكون هناك أناس يضعون العراقيل أمام خطوات الإصلاح حتى على صعيد حزب المؤتمر الوطني نفسه.
الخبير الاقتصادي المعروف نادى قيادة الدولة برفع وتيرة العمل بصورة أكبر، والسعي إلى توفير وسائل إنزال الوثيقة الإصلاحية على أرض الواقع حتى تصبح مقنعة للمجتمع، قائلاً إنها ما تزال حبراً على ورق ومحض حديث يردده الساسة للتغطية على فشل تجربة الحكم في الفترة الماضية سياسياً واقتصادياً.

الخرطوم: الهضيبي يس
الصيحة

Exit mobile version