57 قطعة من االذهب الخالص المرصع بالأحجار الكريمة قيمتها المالية ضخمة جداً. وقيمتها التاريخية والفنية لا تقدر بثمن. كان ملكاً للملكة النوبية أماني شاخيتي. سرقت على الملأ والجميع يعلمون بسرقتها، ولكن لا أحد يعلم متى يمكن أن يتم إرجاعها للسودان.
ويصف د. عبد الرحمن علي، مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف سرقة الطبيب الأيطالي جوزبي فرليني لهذه المجوهرات بأنها ” أول سرقة موثقة في التاريخ” وهي من “أكبر السرقات للآثار السودانية”.
وأماني شاخيتي أو أماني شخيتو ملكة نوبية محاربة، وواحدة من أشهر ملوك وملكات الحضارة المروية السودانية القديمة. و يعتقد أنها حكمت قبل القرن الميلادي الأول، وحتى السنة الميلادية الأولى، وعثر علي أسمها في مخطوطة بمروي تمت تسميتها فيها علي انها الملكة والحاكم معا. وأشتهرت بصدها للقوات الرومانية الغازية التي أرسلها الامبراطور الروماني اغسطس ، وإجبارها للرومان علي توقيع إتفاقية سلام عادلة، الغيت بعد ذلك.
وتم التعرف عليها من العديد من الأثآر والمعابد التي ذكرت فيها، ومنها معبد امون في الكوة و معبد الآله اباداماك في النقعة والمسلة الخاصة بها والتي عثر عليها في معبد امون في النقعة ومسلة عثر عليها في قصر ابريم و مسلة عثر عليها في مروي ونقوش علي جدران قصر في منطقة ود بانقا وأخيرالهرم رقم 6 في مروي وهو هرمها الخاص.
ويوضح بأن ذلك الطبيب كان مرافقا لحملة محمد علي باشا التي دخلت السودان العام 1821، حيث صحبها العديد من الهواة والباحثين عن الآثار والكنوز. وقادتها رغبته هذه إلى الجبانة الشمالية بالمقابر التي تقع شرق المدينة الملكية بمروي على بعد 210 كيلومترات شمال الخرطوم العاصمة الاتحادية. وإلى الهرم رقم (6) بها، الذي دفنت فيه الملكة شخيتو، حيث قام في العام 1834 بتحطيمه ببشاعة لجهله بمدخله.
وازال الكتل الحجرية داخل الهرم لتتكشف له غرفة مستطيلة الشكل تتكون جدرانها من كتل ضخمة موازية للدرجات الخارجية لواجهة الهرم ويبلغ ارتفاع الغرفة نحو 5 اقدام مربعة. وعثرعلى قطعة كبيرة يغطيها ثوب من القطن او الحرير، واسفله سرير بأربعة جوانب هو منصة أو نعش من الخشب. ثم كنز الملكة.
ويبين د. عبد الرحمن أن الكنز يتكون من مجموعة كبيرة من المجوهرات وحلي الزينة للملكة وبعض الأدوات الملكية، سرقها كلها فرليني، وقام ببيعها لاحقا لملك بروسي بالمانيا، ثم تنقلت بعد ذلك بين الملوك والأمراء الأوربيين إلى أن استقرت في متحف ميونخ ووضعت بأسم (مجوهرات الملكة أماني شاخيتي) .
ووصف هذه المجموعة بأنها “منقوشة بنسق فني رفيع”. وتضم مجموعة الكنز ست أسورة من الذهب المطهم بالزجاج المصقول والاحجار الكريمة منها العقيق واليشب. وسوار يلبس في أعلى الزراع من الذهب والزجاج. وعقد من الأحجار الكريمة والخزف والزجاج. وعقد اخر يتكون من إثني عشرة خرزة من الذهب والزجاج والدايم.
ويحتوي الكنز أيضا على مجموعة من سبعة خرزات من الذهب واليشب والزجاج رائعة النسق والنقش.وفازة بساعدين من البرونز وحق بغطاء من الخشب. وتمثال صغير للأله أمون من الذهب والعقيق الأحمر . وتمثالين لأسدين من الذهب وتمثال لابن آوى وتمثال أخر لزهرة اللوتس.
ويضم الكنز سلسلة تتكون من سبعة حبات من الذهب عليها نقش لاحدى الآلهات. وسلسلة من ثلاثة عشرة حبة عليها نقش الخنفساء من الذهب. وسلسلة من الذهب من ست قطع في شكل شعار اللأله أمون الذي يشبه المفتاح.
ويميز الكنز وجود مجموعة كبيرة من الأختام والطوابع ملكية عددها أثني عشرة مجموعة أغلبها مجموعات من اربع قطع ثم ثلاث قطع ومجموعة من قطعتين. وكل هذه الاختام من الذهب الخالص وعليها نقوشات لآلهة أهمها الآله عنخ وآمون وايزيس وموت وجميعهم في اوضاع مختلفة مثل تقديم تاج أو الجلوس على العرش أو دحر الأعداء وغيرها. وكذلك بعض الحيوانات مثل الأسد والكبش والخنفساء والطيور. وأخيرا ثلاثة أجراس صغيرة من الذهب مثل تلك تستخم للمناداة.
ولعل كثرة هذه الاختام الملكية يدل على مدى التطور والشأو البعيد الذي بلغته الممالك النوبية القديمة، والملكة أماني في إدارة ملكها ووربما يدل كل طابع وختم على أمر أو إدارة معينة في الدولة.
ويقدم المؤرخ الألماني كارل هاينز (Karl Heinz Priese)، الذي عمل في التنقيب عن الآثار بشمال السودان، في كتابه الرائع (ذهب مروي) معلومات ثرة عن هذا الكنز. وكيف تم الوصول إليه وكيف تمت سرقته وبيعه وتفرقه بين المتاحف الأوربية التي كانت تتنافس على إقتناء الكنوز والأثار الراقية.
كما يقدم وصفا دقيقا لجميع قطع مجموعته ويردف كل وصف بشرح وتفسير لمضامين النقوشات والرسوات التي تحويها كل القطع. وأيضاً بالكثير من المعلومات عن الحضارة النوبية في تلك الفترة. وربما يجدر بالجميع قراءة هذا الكتاب، للتعرف عن كثب بهذا الكنز والتمتع بمشاهدة صور مجموعته ذات الزخارف والنقوش الأخاذة والمدهشة.
ويقول مدير الهيئة العامة للآثار والمتاحف، إن هذا الكنز يمكن أن يعاد إلى البلاد في المستقبل بعد أن يستوفي السودان شروط واتفاقيات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) الخاصة بهذا الجانب. ولكن قبل ذلك ربما يتمكن السودانيين من رويته بطريقة ما، مثل عرضه في المتحف القومي بالخرطوم.
إشراقة عباس
الخرطوم في 10-8-2017(سونا)