يشهد عدد الناس الذين يتزوجون في الصين تراجعا هذه الأيام، وهو اتجاه يزعج العائلات ويقلق الحكومة أيضا. وربما يكون عدم المساواة بين الجنسين في قلب هذه الظاهرة، كما يقول الصحفي شوان لي.
بدأت إحدى أكبر مخاوف الأسر الصينية تتحقق، والمتمثلة في عزوف الشباب عن الزواج. وهذه النزعة تقلق الحكومة أيضا.
فبعد عقد كامل شهد زيادة في معدل الزواج الوطني، شهدت الصين عاما ثانيا من تراجع عدد الزيجات المسجلة في عام 2015، والذي سجل انخفاضا بنسبة 6.3 في المئة عن عام 2014، وبنسبة 9.1 في المئة عن عام 2013. ورافق ذلك ارتفاع في سن الزواج، الذي ارتفع بنحو عام ونصف العام في السنوات العشر الأولى من هذا القرن.
ويعتبر العزوف عن الزواج، وتأخر سنه في الصين جزءا من اتجاه عالمي. فقد مرت كل من الولايات المتحدة وبلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، واليابان بنفس الشيء في السنوات الأخيرة، شأنها في ذلك شأن مجتمعات صينية رئيسية.
معاناة ملايين الرجال في الصين للعثور على زوجة
ولدى هونغ كونغ وتايوان، على سبيل المثال، سن أول زواج أعلى بكثير منه في البر الصيني.
ولكن في ثقافة تعطي قيمة كبيرة للعائلة، يشعر الآباء بالقلق حتى إزاء أقل احتمال من بقاء أبنائهم دون زواج ودون أطفال. وهم يخشون من زوال اسم العائلة، أو ألا يكون هناك أحد لرعاية أبنائهم غير المتزوجين عندما يتوفون.
أمر مثير للقلق
من الغريب حقا أن الممارسة التقليدية للزواج الي يجري ترتيبه عبر الأهل تعد غير قانونية في الصين منذ الخمسينيات، إلا أن الآباء لا يزالون يشاركون بشكل كبير في قرارات أبنائهم المتعلقة بالزواج.
ويحاول العديد من الآباء الصينيين دون هوادة إقناع أبنائهم ببدء علاقات زوجية من خلال ملء استمارات تعارف واستبيانات، والتي تثير الكثير من المخاوف أثناء التجمعات العائلية الاحتفالية.
ويتوجه البعض إلى ما يعرف بـ “زوايا التوفيق”، حيث يتبادل الآباء معا المعلومات عن أبنائهم وبناتهم العزاب، ويرتبون لهم مواعيد تكون في كثير من الأحيان دون علمهم، أو ضد إرادتهم.
ولم تقف الحكومة الصينية مكتوفة الأيدي إزاء ذلك. ففي عام 2007، أحرجت وزارة التعليم علنا النساء اللواتي بلغت أعمارهن 27 أو أكثر بوصفهن “نساء فاتهن الدور”، وحثتهن على خفض المعايير “غير الواقعية” لدى بحثهن عن شركاء.
وبينما لا يزال تعبير “فاتهم الدور” حيا ومستخدما في الخطاب العام للإشارة إلى كل من الجنسين، إلا أنه انتقد من قبل المثقفين، ورفض من قبل الشابات.
وفي عام 2016، ألغت الحكومة إجازة الأيام السبعة الإضافية لشهر العسل التي كانت تمنحها قبل ذلك، كعقاب للأزواج الذين يتزوجون “متأخرا” (أكبر من 25 سنة للرجال و23 سنة للنساء).
وكان الأمل هو أن يؤدي ذلك إلى حفز الشباب على الزواج في أقرب وقت ممكن (وإنجاب الأطفال في نهاية المطاف).
وتشعرالدولة بالقلق بشكل خاص إزاء ملايين الرجال مقارنة بعدد النساء في الصين، الذين ولدوا بعد السبعينيات، وذلك نتيجة للإجهاض الانتقائي للفتيات، وبات الرجال الآن يجدون صعوبة في العثور على زوجات.
ويتباين عدد من “فاتهم الدور” من هؤلاء الرجال تبعا للفئة العمرية، وما إذا كان الحديث يدور عن الوضع الراهن أو المستقبلي. ووفقا لوسائل الإعلام الرسمية، قد يكون هذا العدد 24 مليون أو 33 مليون نسمة.
ويعتبر هؤلاء الرجال غير المتزوجين وهم عادة ريفيون وفقراء، تهديدا للاستقرار الاجتماعي، بسبب الإحباط المالي والاجتماعي والجنسي الذي يواجهونه، لأنهم لا يستطيعون إضافة فروع جديدة إلى شجرة عائلتهم.
وأكدت صحيفة الشعب اليومية في الصين أن الرجال “الذين فاتهم الدور” يشكلون أزمة أكثر إلحاحا من النساء في أوضاع مماثلة، ونقلت عن دراسة حول الرجال الريفيين غير المتزوجين أن بعضهم ينخرط في أنشطة إجرامية، مثل القمار، والبغاء، والاتجار بالبشر.
مسار مختلف
بيد أن الشباب يتبعون عقولهم. وبينما تلقى الرومانسية والارتباط تأييدا كبيرا لدى كل من الرجال والنساء في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، إلا أن الزواج كمؤسسة شرعية لم يعد ضرورة.
وبسبب التربية في ظل قيم أكثر تنوعا من الأجيال السابقة، يرى الشباب الصينيون الذين ولدوا في الثمانينيات والتسعينيات الخيارات تتجاوز مسار الحياة الخطي المؤدي إلى إنجاب الأطفال.
والعديد منهم يعطي أولوية للعمل على حساب الارتباط بشريك أو شريكة للزواج، سواء عن طيب خاطر، أو دون رغبة منهم في ذلك.
الصين تواجه خطر اختلال التوازن بين الجنسين
وتشير الإحصاءات الحكومية أيضا إلى أن أكثر من 85 في المئة من العمال المهاجرين والمهاجرات ـ ثلثهم في سن الزواج ـ يعملون أكثر من 44 ساعة في الأسبوع، مما يترك لهم القليل من الوقت والطاقة لبناء العلاقات.
والبعض الآخر يعمل ببساطة على استكشاف أنماط الحياة البديلة، مع شريك رومانسي أو بدونه. وتعتبر العلاقات بدون زواج أمرا شائعا في الوقت الراهن في الصين. وبفضل وسائل التكنولوجيا العديدة، والمتوفرة بأسعار معقولة، فإن خوض علاقات جنسية عارضة بات أسهل من أي وقت مضى.
ثم أن هناك بحرا من الكتب والأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي تصور طرقا أخرى للعيش. وبالنسبة للشباب المهنيين الحضريين في الصين، الذين يمكنهم الوصول إلى وسائل الترفيه الحديثة، فإن عيش حياة هادئة وغنية يمكن أن يتحقق دون زواج من وجهة نظرهم.
التفاوت بين الجنسين
الشابات الصينيات صريحات بشكل خاص فيما يتعلق بمؤسسة الزواج. فقد انتشر إعلان لشركة “إس كي ـ آي آي”، يظهر شابات يعبرن عن احتجاجهن على الضغوط العائلية والاجتماعية التي تحثهم على الزواج، بسرعة هائلة في الصين.
فالأمر لا يعني أن النساء العازبات غير مهتمات بالحياة العاطفية، فالعديد منهن يحرص على الزواج في الواقع، لكن هناك أمورا كثيرة على المحك.
مصدر الصورة Getty Images
Image caption خففت الحكومة الصينية من حدة سياستها الخاصة بالطفل الواحد في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، مما سمح لجميع الأزواج بأن يكون لهم طفل ثان
ففي بلد تراجعت فيه المساواة بين الجنسين، إن لم تكن قد تدهورت بشدة، تواجه النساء على مدى العقد الماضي تمييزا مستمرا ضدهن في التعليم وفي مكان العمل.
وقد خففت الحكومة الصينية من حدة سياستها الخاصة بالطفل الواحد في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، مما سمح لجميع الأزواج بأن يكون لهم طفل ثان.
غير أن الحكومة لم تأخذ في عين الاعتبار التغيير في سياسات الرعاية الاجتماعية للأسر وأصحاب العمل. لذا، رفضت غالبية النساء المهنيات ذلك العرض خوفا من تخفيض قيمتهن أكثر في سوق العمل.
وعلى عكس نظيراتهن في البلدان الأخرى، لا تحصل النساء الصينيات على حماية فعالة من القانون في حالة فسخ الزواج. فالنساء، اللواتي يعلمن أن آفاقا مهنية قاتمة وشبكة أمان غير موجودة في انتظارهن، لديهن كل الأسباب لعدم التخلي عن حياتهن المهنية أو حرياتهن الشخصية مقابل الزواج.
وأمام النساء الحضريات اللواتي يحظين بالسلطة خيار صعب بين العلاقة الحميمية والاستقلالية، لكن على الأقل أمامهن خيار. وخلفهن أخوات ريفيات لديهن سلطات أقل بكثير لتحديد مصائرهن بأنفسهن.
ولا تتمتع النساء الريفيات المحرومات من الموارد التعليمية والاجتماعية بسبب التقاليد الذكورية والاقتصاد الرأسمالي إلا بالقليل من القدرة على المساومة، مقارنة بنظيراتهن الحضريات إزاء الزيجات غير المرغوب فيها، وعدم المساواة بين الزوجين، أو حتى العنف داخل الزواج أو من أجله.
وتدرك وسائل الإعلام الصينية الرسمية بالتأكيد مشكلة تراجع الزواج كمشكلة اجتماعية محتملة، رغم أن معظم اهتمامها المتعاطف مع هذه المشكلة تم توجيهه نحو العزاب الذين لا يستطيعون ممارسة حقهم في الحصول على زوجة.
وتصور معاناتهم بشكل واضح، وغالبا ما تعزى إلى مطالب النساء المتزايدة المتعلقة بـ “ثروة العروس” (وهو المال الذي تدفعه أسرة العريس لأسرة العروس)؛ وإلى ارتفاع مستوى التفاوت الاقتصادي؛ وأحيانا إلى النسبة المضطربة بين الجنسين في البلاد.
وقد طُرحت برامج مختلفة لتخفيف حدة الفقر، أو السماح للنساء بأن يكون لديهن أكثر من زوج، كحلول ممكنة للصعوبات التي تواجهها النساء في الصين.
ولكن لا يوجد نقاش حول ما يمكن فعله للنساء الحضريات اللواتي يواجهن العقبات أمام تقدمهن في العمل، أو للنساء الريفيات المتزوجات ولكنهن يعانين بسبب التقاليد الذكورية.
وهناك طريقة أفضل لتعزيز الإقبال على الزواج يمكن أن تبدأ بالمحرومين في المجتمع الصيني. وهذا يعني إعطاء القرار بالزواج أو عدمه إلى الشباب؛ وتعزيز السياسات التي تناسب أوضاع المتزوجين وأصحاب الأسر في مكان العمل؛ وأخيرا، ضمان حقوق المرأة.
BBC