وهل من (فضيحة) أكبر من قطع شركة الكهرباء للتيار الكهربائي عن استديوهات الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون أمس (الثلاثاء) لمدة ساعة كاملة، فيتوقف إرسال الإذاعة القومية وبث التلفزيون الرسمي للدولة، بسبب عدم سداد فواتير الكهرباء !!
إذاعة أم درمان .. والتلفزيون القومي لم ينقطعا عن البث حتى في حالة (الانقلابات العسكرية) التي تطيح بنظام حكم ديمقراطي وتأتِ بآخر عسكري، فكيف ينقطع إرسال جهازي الدولة بسبب مديونية لشركة الكهرباء التابعة للدولة ؟!!
هل يعلم وزير الكهرباء السفير “معتز موسى” أن صحيفة (الأهرام) المصرية، دعك عن (ماسبيرو) – رئاسة تلفزيونات وإذاعات الدولة المصرية – لا تدفع رسوماً للكهرباء، بل هي معفية من السداد بقرار من رئيس الجمهورية، من زمن “عبد الناصر” إلى عهد “مبارك” .. و”السيسي” ؟!
ما هذه الثقافة (التجارية) المزعجة التي طغت على معاملات حكومتنا، وصارت فكرة راسخة تعشعش في رأس كل وزير، وكأنه تاجر في (السوق الشعبي) ، وليس وزيراً مسؤولاً لديه التزامات سياسية وأخلاقية مختلفة ومتقاطعة تجاه قطاعات عديدة في الدولة والمجتمع !!
وزراء (الإنقاذ) في نسختها الحالية يتعاملون مع الوزارات والمؤسسات (الحكومية) الأخرى، تحت شعار: (أكلوا أخوان.. واتحاسبوا تجار) !!
والسيد وزير الكهرباء يؤمن ويعتقد جازماً بأنه يتوجب على ولاية الخرطوم وبقية الولايات سداد قيمة فواتير إنارة الشوارع والكباري والحدائق والساحات العامة، ناسيا أن على وزارة الكهرباء مسؤوليات تجاه أمن الدولة وسلامة المجتمع، وإنارة الطرقات تعني بالتأكيد مكافحة الجريمة، وتأمين المدن، وحماية المواطن .
وزارة الكهرباء ليست (تاجراً) في (السوق العربي) ولا سمساراً في (كرين بحري)، بل هي جهة حكومية تدير خزانات وسدود ومحطات توليد حراري قامت من مال الشعب وعبر قروض تسدد أقساطها وفوائدها حكومة السودان من إيرادات ضرائب وجمارك الشعب، فضلا عن ما يسدده المواطنون بمئات المليارات من الجنيهات لشركة توزيع الكهرباء قيمة باهظة لخدمة الكهرباء في بيوتهم ومواقع أعمالهم !!
يجب أن يتوقف وزراء القطاع الاقتصادي والخدمي عن هذا التفكير التجاري (البايخ) الذي يجعل الدولة مجرد (متحصل كبير)، لا التزامات عليه ولا واجبات، وهذا ما لا يحدث حتى في دول (الاقتصاد الحُر) ، والسفير “معتز موسى” كان دبلوماسياً في فترة سابقة بسفارتنا في “ألمانيا”، ولا شك أنه يعلم أن الدولة الألمانية ما زالت تدعم تذاكر المواصلات العامة من بصات إلى مترو وقطارات ، وأن الدولة هناك ما زالت تدفع لكل عاطل عن العمل مبلغ (400) يورو شهرياً، وتوفر له سكناً تدفع قيمة إيجاره (البلدية) ، كما توفر له علاجاً مدعوماً، وتعليماً مدعوماً لأطفاله !!
أطلعوا من (جلاليب التجار) دي .. واشتغلوا وزراء وموظفين !!
ينبغي محاسبة السيد وزير الكهرباء، قبل مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون جراء هذه الفضيحة غير المسبوقة.
الهندي عزالدين – شهادتي لله
صحيفة المجهر السياسي