يبدو أن عدوى شائعات الاختطاف لم تتوقف عند حد بعض المواطنين السودانيين داخل حدود الوطن فحسب بل تجاوزتها لتنتقل العدوى إلى الأجانب الموجودين بالخرطوم ولكن هذه العدوى أشد فتكاً من عدوى مواطني البلد حيث يمتد أثرها إلى دول أخرى ومن ثم تدخل السودان تحت طائلة الدول التي ينعدم فيها الأمن والاستقرار، خاصة وأن هذه الحادثة ربما كانت ستقود لأزمة دبلوماسية بين الخرطوم بكين إن لم تفك طلاسمها السلطات المختصة.
تمكنت قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني من فك طلاسم أغرب بلاغ اختفاء لمواطن صيني الجنسية يقيم بالخرطوم ويعمل بإحدى كبريات الشركات، وطبقاً للمصادر فإن خطاباً تلقته وزارة الخارجية السودانية من سفارة السودان ببكين قبل يومين، حوى بلاغاً تقدمت به سيدة صينية خاطبت السفارة السودانية في شكواها حيث أفادت بأن شقيقها الذي يقيم بالسودان تعرض لحادثة اختطاف من قبل أشخاص مجهولين سودانيين قاموا باختطافه واحتجازه وطالبوا بفدية لإطلاق سراحه وقدرها (5)آلاف يوان صيني أي ما يعادل (5) آلاف جنيه سوداني، وأن حادثة الاختطاف تمت منذ عدة أيام، وقالت في فحوى شكواها إن شقيقها مقيم بالسودان منذ (8) سنوات ويعمل بإحدى الشركات الخاصة وأنه متزوج من سيدة سودانية.
فور الشكوى سارعت سفارة السودان ببكين بمخاطبة وزارة الخارجية السودانية للرد على الشكوى والبحث عن المخطوف وتحريره من قبضة الخاطفين، بدورها قامت وزارة الخارجية بمخاطبة جهاز الأمن والمخابرات الوطني للتحقيق في الوقائع الواردة حيث تم تكليف الجهة المختصة بجهاز الأمن بالقضية، وتم تشكيل قوة للتحقيق حول وقائع الشكوى والبحث والتحري وجمع المعلومات واستطاعت السلطات الأمنية التوصل إلى زوجة المختفي بالسودان وأثناء التحريات كشفت أسرة الزوجة بأن الصيني المختفي متزوج من ابنتهم وانجبا طفلة صغيرة وأنه خلال الفترة الأخيرة عانى من مشكلات مالية وأن خلافاً أسرياً نشب بين الزوجين قام على إثره بترك منزل الزوجية وذلك منذ أكثر من ستة أشهر ومن وقتها لم يعرفوا له طريقاً.
متهم في قضية جنائية
أثناء البحث والتحري وجمع المعلومات توافرت معلومات لدي جهاز الأمن بأن صينياً يمكث حبيساً بأحد أقسام الشرطة الجنائية وفور علمها بالأمر توصلت السلطات إلى موقعه حيث اتضح بأن الصيني تم القبض عليه بموجب بلاغ جنائي وحبسه بقسم شرطة الشقلة بالحاج يوسف محلية شرق النيل واتضح أنه يواجه تهماً مالية تحت طائلة المادة 179 ق. ج المتعلقة بالشيكات المرتدة وتبين أنه حرر شيكاً بلا رصيد للشاكي تصل قيمته إلى مبلغ (600) ألف جنيه وذلك من بنك تنمية الصادرات فرع بحري، واتضح أن الشاكي حينما قدم الشيك لصرفه تبين له أن الشيك بلا رصيد، ليقوم بتدوين بلاغ بقسم شرطة دائرة الاختصاص والتى بدورها ألقت القبض على المتهم.
السلطات الأمنية سألت الصيني عما إذا كان تعرض لأي حادثة اختطاف أو احتجاز غير مشروع إلا أن الرجل نفى تماماً تعرضه للاختطاف، وحول شكوى شقيقته أفاد بأنه أجرى اتصالاً هاتفياً بشقيقته لترسل له مبالغ مالية حتى يتمكن من الخروج من الحبس.
حسبما توصلت إليه (السوداني) فإن الرجل قرر الدخول في صفقات تجارية مع بعض التجار إلا أنه كان يتعرض لخسائر في كل مرة كما أن لهثه وراء تكوين الثروات قاده لحبك قصة الاختطاف حتى تقوم شقيقته بإرسال المبالغ التي ستمكنه من التخلص من السجن ونيل الحرية، إلا أنه لم يضع فى حسبانه أن شقيقته ستقوم بإبلاغ السلطات وإفساد مخططه في الحصول على المال.
لا تؤثر على علاقة البلدين
يقول الخبير الدبلوماسي السفير الرشيد أبوشامة لـ(السوداني) إن أمثال هذه الحوادث هي حوادث فردية ولم تأتِ من قبل جهاز حكومي ومثل هذه الحوادث الفردية موجودة في كل العالم ففي أمريكا هناك عدد من السودانيين قتلوا، إلا أن حكومتي البلدين لا دخل لهما بالأمر وأمثال أولئك الرعايا ليست لديهم حصانات، ولفت إلى أن مثل هذه الحوادث لا تؤثر فى علاقات البلدين خاصة وأن المذكور متهم على ذمة قضية جنائية وسيتم تقديمه للمحاكمة وهو كفرد يجب أن تتابع سفارته حاله وأن تكون على علم بتحركاته.
وأضاف أبو شامة أنه كان يجب أن تذهب شقيقته لوزارة خارجيتها وتشتكي لا أن ترفع شكواها لسفارة السودان وأنه كان من الممكن لسفارتنا ببكين أن تتجاهل الشكوى باعتبارها شكوى فردية وأن توجه السيدة بالشكوى لوزارة خارجية دولتها، مشيراً إلى أنه حادث فردي لا يؤثر على العلاقات بين البلدين.
إبعاد من السودان
ربما الشائعات الأخيرة أثرت تأثيراً كبيراً رغم إعلان السلطات المختصة بأن ما حدث شائعات لا أساس لها من الصحة، وربما هذا الصيني تأثر بتلك الشائعات، وعليه فإنه في حال إدانته جنائياً بإمكان السلطات إبعاده عن البلاد عقب قضاء فترة عقوبته.
يرى الخبير القانوني مجاهد عثمان أن مثل هذه القضية تدخل البلاد في حرج دبلوماسي وتشكك في قدرات السودان على حفظ الأمن والاستقرار خاصة أنه تبين أن الصيني لم يتعرض لأي حادث اختطاف أو احتجاز غير مشروع، وأنه محبوس على ذمة قضية في الحق الخاص، وفي هذه الحالة يستوجب على السلطات أن تدون بلاغاً ضده تحت المادتين 66 و97 من القانون الجنائي وهي تتعلق بنشر الأخبار الكاذبة وتضليل العدالة وتصل عقوبة المادتين إلى السجن لمدة عام ومن ثم الإبعاد عقب قضاء عقوبة الحق الخاص فى القضية الأساسية التي تم حبسه فيها وهي قضية الشيك المرتد.
تقرير: هاجر سليمان
السوداني