قررت على نحو مفاجئ مجموعة من مشايخ الطرق الصوفية التقدم بطلب لمجلس الأحزاب لتسجيل حزب باسم التصوف الديمقراطي في سابقة لم تكن متوقعة ما أثار كثيراً من الجدل حولها، ولتوضيح الحقائق جلسنا إلى رئيس مجلس الشيوخ في المجلس الأعلى للتصوف الشيخ عبد الرحيم محمد صالح الذي أكد أنه قد نبه قيادات المؤتمر الوطني لهذه المشكلة وطالبهم بالجلوس مع هذه المجموعة، لكن لم يهتم قادة الحزب الحاكم بطلبه، وأكد أن هذه الخطوة تعني انشقاقاً داخل المؤتمر الوطني وسيكون الصوفية أكثر تضرراً منه، ونفى أن يكون الاتجاه لتأسيس حزب له علاقة بالزيارة التي كان يقوم يقوم بها بعض السفراء الغربيين لمشايخ الطرق الصوفية، هذا وغيرها من الإفادات.
*ما موقفك من خطوة إقدام المتصوفة للانخراط في السياسة بتأسيسهم حزباً؟
– طبعاً كل شيء الآن أصبح متاحاً من حيث حرية التنظيم والحريات التي كفلها الدستور للمواطنين، لكن موقفي الشخصي عندما طرحت هذه الفكرة في بدايتها طلبت عدم إبرازها وطرحها للنقاش في إطار الطرق الصوفية وظللت أتابع وأستقصي وأناقش هذه الفكرة مع شيوخ الصوفية، وكانت النتيجة أن غالبية الصوفية يرفضون أن هناك حزب باسم المتصوفة.
*على ماذا بُني رفضهم؟
– لأن هذه الفكرة تحوي كثيراً من مظاهر (دس السم في الدسم) والتي لا تتفق مع مبادئ أهل التصوف بشفافيتهم وطيبة تعاملهم القائم على زهدهم في الدنيا وزخرفها واتجهوا للاهتمام بأمر الدعوة، وظل المسيد يستمد حضوره وسط الناس من هذا المنطلق، ونحن إن تركنا أمر الدعوة وأهملنا المسيد و(مشينا) للسياسة بلا أدنى شك سنختلف والأهداف ستكون متجذرة لأنها ستدخل فيها الأغراض والمطامع الخاصة وغيرها من أمور الدنيا ومفاتنها.
ـ بمعني أنت ضد الفكرة؟
أنا على قناعة كاملة ليس هناك سبب يدفعنا كصوفية لتكوين حزب.
*على أي شيء تبني هذه القناعة في رفضك للفكرة ؟
– السودان الآن فيه (113) حزباً ونحن ندعو لتقليص هذه الأحزاب لثلاثة، أضف لذلك هناك كيان يضم كل مشايخ الطرق الصوفية ويمكنهم إعادة ترتيبه بالطرق التي يرونها ليخدم أغراض الدعوة ويمثلهم بشكل جماعي على المستوى القومي في شكل كيان منظم وليس كحزب سياسي.
* نفهم من حديثك أن الحزب الصوفي لن يخدم أهل التصوف؟
– نحن رؤيتنا ليس هناك ما ينقصنا لأن الكيان الموجود قائم بكل ما هو مطلوب في جانب أمر أن كان هناك من يرى أن هناك أشياء في حاجة لمراجعة نتعامل ونتحاور عليها داخل الكيان القائم، وبهذا نكون وصلنا لما نريد تحقيقه عبر الحزب، لذلك أرى ما في ضرورة لتكوين حزب يكون عاملاً لمزيد من الشتات.
*لكن الذين أقدموا على الخطوة يرون العكس؟
– نعم هم يرون العكس إن كان هناك حزب يكون أفضل وهذا لم يخرج من إطار الدستور والقانون، وكما ذكرت لك نحن رؤيتنا أن نجلس كأهل تصوف لمزيد من النقاش.
*الملاحظ أن غالبية المجموعة المتحمسة للفكرة هم أعضاء في المؤتمر الوطني بم تفسر ذلك؟
– أنا شخصياً سبق أن نبهت القيادة في المؤتمر الوطني أن يهتموا بالجلوس مع الناس ومناقشتهم لأننا كأهل تصوف منذ مجيء الإنقاذ لم ندخل معهم في حوار لنبدي رأينا لأنهم واثقون أن الصوفية مؤيدون لهذا التوجه بفهم أن هذه فكرتهم، ولا يمكن أن يقفوا ضدها بعمل كيان آخر لأنهم يرون أن الإنقاذ مضت على خطهم، وأعتقد رغم هذا لابد أن نقول رأينا ويستمعوا له.
*هل ترى أن المؤتمر الوطني مجحف في حق الصوفية؟
– أعتقد سبب هذه الخطوة هناك بعض المطالب والأشواق لم تلب، وهذا يحتم على الوطني أن يجلس مع الناس ويسمع رأيهم ويناقشهم فيه، لأن مشاركتهم في الإنقاذ كبيرة، وفي رأيي أن الحوار الوطني وضع مساراً يحتم على الجميع أن يمضوا فيه إلى الأمام، الآن هناك برنامج تكونت عليه حكومة وفاق وطني، ويجب المضي عليه لأنه في المرحلة السابقة لم يكن هناك شيء يرتكزون عليه، لكن الآن علينا أن نستند على وثيقة الحوار ونقول هذا خطأ ونصلحه وندير في هذا الإطار وتكون المعالجة فيه.
* بمعنى فكرة الحزب الصوفي مجرد اجتهادات من مجموعة محسوبة على التصوف؟
– نعم، هذه وجهة نظر مجموعة من المشايخ.
* ما هو موقف المجلس الأعلى للتصوف وأنت أحد قياداته؟
– نحن كمجلس أعلى للتصوف لم تتم استشارتنا في هذه الخطوة رغم أنهم أعضاء فيه، ورؤيتنا في إطار الحريات التي كفلها لهم الدستور، لهم الحق في أن يقوموا بأي عمل، لكن في نفس الوقت في إطار المجلس الأعلى للتصوف، وهم لم يستشيرونا، وإن تم ذلك لحدث نقاش وانتهى الأمر لاتفاق، وأنا شحصياً نبهت لهذه الخطوة قبل ثلاثة أشهر بأن هناك أشخاصاً يعتقدون أن من حقهم تاسيس حزب باسم الصوفية.
* لكن هذه المجموعة تقول إن هناك ما يقارب الخمسين شيخاً يؤيدونهم؟
– لنسلِّم بأن هناك (50) شيخاً يؤيدون، هل السودان فيه هذا العدد فقط، يبقى ما أقدموا عليه اجتهادات ولهم رؤيتهم في الوصول لما يريدون.
* واضح أن هؤلاء الشيوخ يعتمدون على ثقل أتباعهم من الحيران والمريدين؟
– لذلك سيدخلوننا في مشاكل ونزاعات خلافات متوقع أن يذهب الحيران لشيوخهم ويسألوهم عن رأيهم في الحزب، أقول لهم حسناً اذهبوا معاه، وإن قلت لهم نحن لدينا اعتراض ما يكون في حزب هذه ستكون بداية خلاف بين الحيران والمريدين وشيوخهم.
* اعتراضك أنت على تكوين الحزب لأنه بعيد عن الفكرة التي يقوم عليها التصوف أهمها البعد عن السلطة؟
– وهو كذلك نريد الابتعاد عن السلطة حتى لا تكون خلافاتنا على عرض الدنيا مثل الجدل لماذا جئت بفلان وأبعدت ذاك، هذا لا يتماشي مع روح الدعوة، قوة التكاتف الموجودة في الصوفية الآن بما يجعل بعضنا يكمل بعضاً لكن عندما ندخل في السلطة نفتح ثغرة للخلاف ونصبح في مغالطات ومشاحنات من مع الحزب، وهذه لا تشبهنا.
* ما الكيفية التي ترونها لمعالجة هذه المشكلة؟
– أرى قبل أن نمضي نحن كأهل تصوف في طريق الحل على الحزب الحاكم أن يجلس مع الناس ومحاورتهم وتساويهم في التعامل مثلما فعلت مع غازي ومجموعته إن كانت تعتبر المتصوفة أحد القطاعات المهمة امنحهم حقهم في الحوار والمناقشة لماذا يرفض منحهم هذا الحق، ونحن كصوفية ذهبنا في وفد وناقشنا د. غازي بذات القدر هناك هذه المجموعة التي اتجهت لتكوين حزب هم أعضاء في المؤتمر الوطني ويريدون أن ينسلخوا وفيهم من هو عضو برلماني عن الحزب ومنهم عضو مجلس استشاري، لماذا لا تترك هذه المشكلة لأهل التصوف لوحدهم لمناقشة هذه المجموعة، لماذا لا يدخل معهم طرف آخر من الحزب ليتعاونوا لحل هذه المشكلة.
* كأنك تؤيد ما قالت به هذه المجموعة بإحساسها بالغبن نتيجة انحياز السلطة لجهة خصومهم؟
– هذا الإحساس يستوجب جلوس المؤتمر الوطني والصوفية لمناقشة هذه المسائل بصراحة ووضوح لأن الصوفية جلسوا مع بعض لكن “ما في زول جاب خبرهم” وأرى على الحزب في أطره التنظيمية أن يتم تحرك لتلافي هذه المشكلة بالحوار والمناقشة.
* يمكن أن نسمي ما حدث انشقاقاً في المؤتمر الوطني؟
– هذا واضح حالة خروج أي شخص من حزب ما وتكوين حزب بعيدًا عن الوطني هذا يعني أنه انشق من المؤتمر الوطني الذي عليه أن يحافظ على عضويته وغير معقول أن يترك عضويته تتشتت بهذه الصورة، والآن نحن كصوفية لنا مساعٍ مع مسؤول التنظيم بالوطني د. أزهري التجاني.
* هل أخطرتم رئيس الحزب البشير؟
– نعم، الرئيس جلس مع الصوفية واستمع لوجهة نظرهم وسلموه مذكرة بذلك ووعدهم بالاطلاع عليها والعمل بما جاء فيها، وأذكر أن الرئيس قال لهم إنه حفيد الشيخ أب دنانة الذي أدخل الطريقة الشاذلية في السودان، وأنا متأكد أن الرئيس سيفي بوعده، نحن الآن للطرق الصوفية كيان خاص هو المجلس الأعلى للتصوف وهو خالٍ من أي نوع من التحزب والنزاعات السياسية والمفاضلات التي تنجم بسببها.
* ما هي مهمة مجلس الشيوخ الذي تديره داخل مجلس التصوف؟
– هو جسم أشبه بالبرلمان، وهو الذي يصدر القرارات وكل شيخ منحناه عباءته التي تناسبه وتخطينا المسميات هذا مكاشفي وذاك قادري وهذا تجاني، وكلنا متفقون أن القائم الآن من سلطة وحكم هو ما نطلبه من تحكيم لشرع الله والإنقاذ قد قامت به، لكن نحن لسنا مؤيدين كتابعين نحن طرف أصيل في الحكومة، ويجب أن نبدي رأينا ويُستمع لنا.
*ما هي الخطوات التي تمت الآن لاحتواء هذه الأزمة؟
– نحن قمنا بطواف وجلسنا مع كثير من الجهات، لكن نحن ما نريد كما ذكرت لك هذه القضية تكون كأنها خاصة بنا لوحدنا كصوفية، لابد كما ذكرت لك أن يساهم معنا الحزب في مساعي احتواء المشكلة حتى لا يحس هؤلاء بأنهم مهملون ونزيل إن كان هناك غبن وهذا يؤكد أن هناك طرفا أصيلاً سليتزم بما يتفق عليه.
* يمكن أن نعتبر هذه الخطوة انقساماً بين الطرق الصوفية لحكومة ومعارضة؟
– ليست كذلك، ولن تكون هكذا بأي حال من الأحوال حتى هذه المجموعة التي اتجهت لتكوين الحزب لا ترى ذلك، وكونو أخرج منك معناها عارضتك وأريد الإطاحة بالسلطة القائمة “لأنو ممكن أكون معارض وأكون حزب لأشكل إضافة للحكومة أو أنسق معها يعني معارضة بالمفهوم الموجود في الساحة غير وارد”.
*هناك من يربط بين اتجاه المتصوفة للانخراط في السياسة والزيارات التي يقوم بها بعض السفراء الغربيين لمشايخ الطرق الصوفية في ظل الحديث عن إيجاد بديل للإسلاميين السلفيين؟
– أنا شخصياً اجتمعت مع السفير الأمريكي لثلاث ساعات فعندما زارني في المسيد وحدثته عن تاريخ التصوف في السودان وحركته أذكر أنه سألني عن دور التصوف في السودان، وشرحت له الدور الذي يلعبه المسيد ويمثل الوسطية في إرساء التعايش والإخاء بين عامة المواطنين ووجدته أنه ملم بكثير من الأشياء وأن المتصوفة بعيدون عن التشدد وكل الأشياء التي تزعزع الأمن والاستقرار، وذكر لي السفير أنه يعلم أن الموجود من المتصوفة كماً وكيفاً قادر على أن يكون حزباً سياسياً وسألني مباشرة لماذا لا يرغبون في تكوين حزب سياسي وأجبت: نحن نرى أن الحزب الموجود الآن يمثلنا، وأذكر بعد فترة من إعلان رفع الحظر الجزئي جاءت منظمة تسمى (الأطلنطي) وأيضا أجرت لقاءات من عدد من المشايخ بعيداً عن مجلس التصوف وقالوا لنا نحن قبل ذلك ذهبنا إلى كوبا ورفعنا عنها الحظر، ونحن الآن نريد أن نسمع رأي أهل التصوف أوضحنا لهم أن السودان بلد مستقر وقلنا لهم لو مفتكرين أن هذه المقاطعة عاملنها لإسقاط الحكومة لن تنجح في ذلك والمتضرر منها الأكبر الشعب، وقلنا لهم إن رأينا أن تعملوا على إنهاء هذه المقاطعة
*كيف تنظر لمستقبل التصوف في السودان بعد هذه الخطوة إن اعتبرناها تحولاً في مسار نهجه المتعارف عليه؟
– بعد هذا لابد أن يلعب التصوف دوراً في كل الأمور، لأن دوره قومي، وأن يكون هناك اتفاق على مسار محدد لخدمة أغراض التصوف والدعوة وهذا لا يتم إلا أن يصبح هناك قاسم مشترك للحد الأدنى لمشايخ الطرق متفق عليه، وأقول إن التصوف سيتمكن من لعب دوره بصورة أكبر إن أسس كياناً منظماً ومرتباً.
حوار ـ الطيب محمد خير
الصيحة