وضع الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي ثلاثة شروط للانخراط في الحوار مع الحكومة أجملها في مشروع السلام العادل وأساسيات الدستور والحكومة القومية، ووصف المهدي الحوار الوطني بأنه تحول من وثبة إلى نكسة بسبب المحاصصة، داعيا إلى الالتزام بتكوين حكم قومي لا يعزل أحدا وسلام عادل ودستور قومي دائم مصالحة، وأضاف أن إهمال الحكومة لتلك الشروط سيؤدئ إلى انتفاضة تراكمية سيقوم بها الشعب يوما ما.
ويبدو أن التحسن الذي حدث في عدة ملفات وقضايا في البلاد بفضل الحوار الوطني قد ساهم في تخفيض أعداد الشروط التي يدفع بها زعيم الأنصار وظل يضعها طوال سني الحوار الوطني، وهو الذي كان حضورا في جلسة الإعلان عن مشروع حوار الوثبة الشهيرة قبل ثلاث سنوات ونصف، قبل أن يغادر البلاد غاضبا رافضا الحوار وواصفا إياه بحوار الطرشان، مستعصما بقاهرة المعز.
ونشط الصادق المهدي طيلة وجوده في القاهرة في تحركات مكوكية بهدف تسريع عملية إيجاد نظام جديد للحكم في السودان عبر تسوية سياسية، بالضغط على الحكومة لتقديم جملة من التنازلات وإقناع الحركات المسلحة التي تقود حرباً ضد الحكومة في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان بالخطوة، ونجح في ضم المعارضة المسلحة والسلمية في تحالف جديد أطلق عليه اسم (نداء السودان) فضلا عن إقناع الحركات بتغيير النظام عبر النضال السلمي والجلوس في حوار مع الحكومة.
ولكن موقفه الرافض بدأ يلين رويدا رويدا قبيل عودته البلاد مطلع العام الجاري، وفاجأ المهدي الجميع بالقول إن توصيات الحوار تطابقت مع أجندة المعارضة السودانية، وقد أبدى رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي دهشته من تطابق توصيات الحوار الوطني مع كثير من الأجندة التي تطالب بها قوى المعارضة السودانية.
وفي السياق قال المهدي إنه اطلع على مخرجات الحوار قبل أيام، ووصفها بأنها مشروع نظام جديد لأنها متطابقة مع الأجندة التي تنشدها قوى نداء السودان، وقال: “لقد قاطعنا الحوار وقلنا إن هذا الحوار ناقص الاستحقاقات، ومع عدم المشاركة فيه نهتم بمخرجاته، ومنذ أيام اطلعت على توصيات اللجان الست وتوصيات الحوار المجتمعي وأدهشني أن التوصيات تطابقت مع الأجندة المنشودة في كثير من التوصيات”.
غير أنه عاد مجددا في يونيو الماضي ليهاجم الحوار الوطني من خلال الاتهامات التي وجهها في خطبة صلاة عيد الفطر المبارك والتي قال فيها إن الحكومة أهدرت العديد من فرص الإصلاح ووقف الحرب، التي كان آخرها عملية الحوار الوطني ولكنه تحول إلى استنساخ جديد للإنقاذ، ورأى زعيم حزب الأمة أن النظام الحاكم اضطر لفتح حوار اشتركت فيه أحزاب كثيرة يهدف للإصلاح بعد إخفاق المشروع الحضاري وتجميد أو إبعاد عدد من مهندسيه لكنه في النهاية أبقى على غياب الحريات واستنسخ النظام المعهود في خانة مكانك سر.
وبالنسبة للمهدي فإن الحريات العامة الآن مغيبة وتابع: “النظام استنسخ نفسه وفوت فرصة أخرى من فرص الإصلاح والخروج الحقيقي من حالة الاستقطاب والاحتراب”، وحمل المهدي النظام الحاكم مسؤولية إهدار الفرص لتحقيق السلام ووقف الحرب، بدءا من الاقتراح على قادة الانقلاب التفاهم من أجل مخرج قومي، مرورا باتفاقية السلام الشامل والتي حولها لصفقة ثنائية بدلا عن اتفاقية قومية.
وأشار المهدي إلى إهدار فرصة اتفاق أبوجا برفض النظام استحقاقات معقولة لتحقيق سلام دارفور، فضلا عن تقويض مشروع التراضي الوطني وإجهاض اتفاق (نافع – عقار)، واعتبر رفض الحكومة لإعلان باريس الذي وقعته الحركات المسلحة وقوى المعارضة في العام 2014م ومراوغتها في إنفاذ خارطة الطريق الأفريقية 2016م أيضا إهدارا لفرص السلام، وأكد الصادق المهدي أن ما وصفه بـ(المناخ المسدود) أسفر عن تطورات سلبية أهمها انقسام الحركة الشعبية شمال وتدخل دول الجوار في السودان عبر حدوده الجنوبية والغربية ما زاد الأمر تعقيدا.
ويرى مراقبون أنه لا يبدو من شروط المهدي أنه راغب في المشاركة في الحوار فالرجل يبدو أكثر حرصا على اقامة المؤتمر العام لحزبه وحسم قضية خلافته التي تثير جدلا كبيرا وسط الأنصار، وكما قال في تصريحاته الأخيرة في مدينة الدامر فإنه سيمضي في اتجاه إعمال الفكر والعقل في النظر للقضايا الوطنية والإقليمية والدولية، ومن ذلك يمكن استنتاج أن حزب الأمة سيكون خارج منظومة الوثيقة الوطنية وليس بإمكانه تحقيق ما يطالب به من شروط وهو على الرصيف.
بينما يعتقد آخرون أن شروط المهدي الثلاثة موضوعية وهي أس أزمات البلاد، ولكن ينبغي عليه الانخراط في الحوار أولا والعمل مع أحزاب الحوار لإنجازها باعتبار أن الحكومة ومنذ انطلاقة الحوار الوطني ظلت رافضة لكل أشكال الشروط المسبقة للانخراط في الحوار، فهل يفعلها الإمام أم أن لعبة الشروط ستطيل انتظار مشاركة الأنصار في الحوار الوطني؟
الخرطوم – مهند عبادي
الانتباهة