الأمطار تغرق الخرطوم.. ما العمل؟

أدى هطول أمطار متوسطة قبل يومين لتوقف الحياة لعدة ساعات في عاصمة البلاد الخرطوم، بسبب عدم كفاءة أو إنعدام بنيات الصرف السطحي التي تستوعب هذه المياه أو تنقلها لمناطق التصريف.

ضعف أو إنعدام شبكة الصرف السطحي أمر معلوم، والأضرار الناجمة عن عدم وجود الشبكة كبيرة، فلماذا عجزت الولاية عن إيجاد المعالجات والحلول لهذه المشكلة الحرجة؟ هناك بتقديري سبب اداري، وسبب مالي. السبب الإداري يتمثل في سياسة عامة للولاية، وضعت في وقت سابق، تنص على أن تكون المجاري الرئيسية والكبيرة مسئولية وزارة البنى التحتية، على أن تكون الخيران الصغيرة والمجاري داخل الأحياء مسئولية المحليات.

في هذه السياسة خلل بائن، لأن أبسط إنسان، ناهيك عن المهندسين، يعلم ألا فائدة من الخيران الكبيرة في حالة عدم وجود الصغيرة، والعكس صحيح. فالأمر هو شبكة واحدة تصمم بميلانات محددة تعمل على اخراج المياه من الأحياء والمناطق الأخرى، للأنهر الجارية، أو لمحطات معالجة كما هو الأمر في مختلف المدن.

أما السبب المالي فيتمثل في أن تكلفة بناء المجاري والخيران عالية جداً، ولا تتحمل ميزانية الولاية وميزانيات المحليات إنشاء الشبكة كاملة.

لحل هذه القضية يتعين علينا بتقديري أن نلجأ لما تقوم به العديد من البلدان في مجال إنشاء البنى التحتية، وهو إسناد هذا الانشاء للقطاع الخاص، بمفهوم الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص Public sector Private sector Partnership وهو مفهوم تطور كثيراً، ليصبح هو الأسلوب الأمثل لإنجاز البنيات التحتية في مختلف البلدان.

في هذا المفهوم تقوم شركات مقاولات كبرى بتنفيذ مشروع من مشروعات البنيات التحتية مقابل إمتيازات تمنح لها. مثلاً في حالة الطرق والكباري تمنح امتياز تحصيل رسوم من مستخدمي الطريق أو الكبري لمدة طويلة قد تبلغ عشرين عاماً، لحين استرداد شركة المقاولات لنفقات التشييد وتحقيق أرباح.

في حالة الصرف السطحي الماثلة أمامنا الآن نحتاج لتشجيع شركات مقاولات كبيرة ومتوسطة للدخول في مجال انشاء الشبكات المتكاملة، تحت اشراف وزارة البنى التحتية. والامتياز الذي يمكن أن يمنح لهذه الشركات هو حق إقامة محلات تجارية فوق الخيران التي يتم حفرها وبناءها وتغطيتها، بتوزيع مدروس يحقق استرداد التكلفة، وتحقيق الأرباح للشركة من ناحية، ويحقق للولاية حل لمشكلة الصرف السطحي بصورة نهائية.

يراعى في مساحة وتوزيع المحلات التجارية المبنية على الخيران النواحي الجمالية والصحية، وعدم مضايقة السكان أو حركة المرور. ويُمنح الامتياز في حق استغلال هذه المحلات للشركات المنفذة لعشرين عاماً تزيد أو تنقص حسب التكلفة الحقيقية، التي يتعين على وحدة الشراكة بوزارة المالية احتسابها بدقة، بالتعاون مع وزارة البنى التحتية واستشاري خارجي.

هذه الفكرة طرحها الأخ المقاول مكي هاشم قبل سنين عددا على المسئولين في مختلف المستويات، ولو تم الأخذ بها لكان الحال اليوم غير الحال. نعشم في حلول جريئة ومبتكرة من هذا النوع. والله الموفق.

د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com

Exit mobile version