كما العهد بها دائما ظلت ولاية الخرطوم تسقط في اختبارات فصل الخريف منذ أول قطرة مياه، على الرغم من تصريحات الأجهزة المعنية بالاستعداد التام لمواجهة الموقف، وكأني بهذه التصريحات قدر لها أن لا تبارح لسان ناطقيها، لتأتي الأمطار وتكشف عن مدى العجز والقصور الذي تعانيه الولاية من خلل في البنى التحتية والمصارف والطرق والأنفاق.
لم تزل مخلفات الأمطار والسيول التي ضربت العاصمة مساء الخميس الماضي في استمرار، فحتى ظهر يوم أمس بدت الصورة أكثر مأساوية، تعبر عنها المشاهد والأمكنة والناس أنفسهم، سيما أن كثيراً من الطرق الرئيسية والجانبية فضلا عن الميادين ظلت ممتلئة بالمياه، الأمر الذي أدى إلى عرقلة حركة المرور والمواطنين معاً. كما أدت إلى تعرض كثير من الأحياء الطرفية إلى أضرار بالغة فبحسب الإحصائيات فإن كل من: (جبل أولياء ـ السلمة ـ عِد حسين ـ مايو ـ الإسكان الشعبي الأمل ـ الرشيد ـ دار السلام ـ أمبدة)، هم الأكثر تضرراً بجانب المناطق الأخرى المختلفة.
أمبدة أمطار غزيرة وخسائر كثيرة
داخل محلية أمبدة اختفت الطرق نسبة لغزارة المياه التي ظلت بالشوارع على الرغم من مرور يومين على هطول الأمطار، إلا أن المعاناة ما زالت أكبر والتحديات يبدو أنها تفوق إمكانيات الأجهزة المعنية، فقد أكد المواطن “مصعب علي” أن الوضع داخل أمبدة مأساوياً حيث إنه لم يرَ (شارع الزلط) منذ خروجه من منزله وحتى وصوله لعمله، لافتاً إلى أن كمية المياه غزيرة جداً ولم يتم سحبها حتى اليوم الثاني بالتناكر، الأمر الذي أعاق حركة المرور، وقال: الطرق سيئة جدا رغم أن يوم أمس كان عطلة ودائما ما اعتدت الوصول إلى مكان عملي مبكراً نسبة لخلو الطرقات من المارة والمركبات إلا قلة، ولكن مشهد يوم أمس كان مغايراً تماماً فقد استغرق الوصول إلى الخرطوم ساعات، وعلى الأجهزة المعنية أن تضع حداً لما يحدث، الكثير من الأرواح فقدت.
وداخل مدينة أمبدة مربع 14 الراشدين بدت الخالة “حليمة عبد الله” (بائعة) أكثر حزناً على قريبها الذي لقى حتفه جراء الأمطار بأم درمان، لافتة لـ (المجهر) أن الوضع داخل محل سكنها أمبدة صعباً للغاية ويصعب معه الحركة. وانتصفت معها الحديث جارتها “بدرية محمد” عاملة، مؤكدة على انهيار عدد من المنازل القريبة منها، مشيرة إلى الوضع داخل منطقتها مأساوياً في الأيام العادية فما بالك بالأيام الممطرة بحد تعبيرها.
المحطة الوسطى ببحري بحاجة إلى مراكب!!
داخل محلية بحري بدا المشهد اقرب إلى ما تعانيه زميلاتها من المحليات الأخرى من عجز في آليات الشفط، فقد غطت المياه جزءاً كبيراً من شارع المعونة بحري، الأمر الذي ادى لإعاقة حركة السير وتذمر المواطنين، وما رصدته (المجهر) عبر جولتها هو ذلك السخط الذي اعترى المواطنين خاصة في منطقة المحطة الوسطى التي بات السير فيها بحاجة إلى مراكب سيما السوق الذي أصبح عبارة عن وحل مما ينذر بتردٍ بيئي قريب.
أما بمحلية كرري فالمشاهد ليست بحاجة لكثير وصف، فالصورة أبلغ من الكلمة في ظل غياب كبير لغرفة الطوارئ في بعض الحارات التي اشتكى قاطنوها لـ(المجهر) حيث امتلأت الشوارع والميادين بمياه الأمطار، بينما آثرت مياه الشوارع الدخول إلى بعض المنازل، أما منطقة البراري بالخرطوم فمشهد المياه يتسيد الموقف خاصة الميادين والساحات، وبدأت الصورة كسابقاتها من الصور ومشاهد المواطنين تتنوع ما بين القفز على (الحجارة المتراصة) تارة وما بين السير جوار (الحيطة) تارة أخرى تفاديا للخوض داخل المياه التي ظلت كثيرة لليوم الثاني.
مسؤول: البنى التحتية للولاية تعبانة
رئيس غرفة طوارئ الخريف المهندس “الصافي آدم” قطع لـ(المجهر) باستمرارية الوضع على ماهو عليه داخل الولاية لخمسة أعوام قادمة، وقال: “حقو نكون واضحين وما ندفن رأسنا في الرمال، البنى التحتية للولاية تعبانة، الطرق بها مشاكل وكذا المصارف، وستظل طوارئ الخريف مستمرة وإن لم يتم معالجة هذه المشاكل ستظل المشكلة قائمة”، وأضاف: “المصارف الموجودة بالولاية تغطي60% فقط من احتياجاتها، وليس لدينا القدرة لها، لأن كيلو المصرف الواحد المغطى يقدر بحوالي (3ملايين جنيه) ونحن نتحدث عن (200) كيلومتر، وعلى المواطنين التعامل مع هذا الوضع، نحن الآن قمنا بإدخال (9) مصارف رئيسية في المحليات الثلاث الميزانية، وهي مصرف: (الإنقاذ ـ البحوث ـ الصحافة ـ الشقلة ـ الأحامدة ـ مصرف 41 ـ أبوروف) وقدرت بحوالي (130) مليون، وزاد: على الرغم من هذا العجز فإننا استطعنا فك الاختناقات في الشوارع المزدحمة، ولم يحدث خسائر في المنازل سوى عشرة منازل تعرضت إلى الانهيار بينما ارتفعت حالات الوفاة إلى 13 حالة، 9 منها في جبل أولياء و4 في مدينة أم درمان، ومضى قائلا: السيول مستمرة في شرق النيل وكميتها تفوق سعة المصارف وقمنا بحجزها قبل الوصول إلى مدينة كافوري، نحن الآن نعمل على تجفيف المناطق المتأثرة عبر التناكر وجميع آلياتنا.
/////////////////////////////
ارجعت غرفة طوارئ الخريف ولاية الخرطوم مشاكل التصريف التي تعانيها الولاية إلى عدم وجود ميلان بحد تعبير رئيس الغرفة الذي أكد لـ(المجهر) أن الولاية أشبه (بالتربيزة) في إشارة منه إلى أنها مسطحة وتقوم بحجز المياه لافتاً وجود مشاكل فنية كبيرة يجهلها كثير من الناس، وقال: قمنا بعمل سد الرواكيب ووادي حسيب لحجز المياه وحماية الولاية من السيول، وهذان السدان يحجزان 13 مليون كيلو متر مكعب، ونحن الآن بصدد عمل سد القيعة واحد والقيعة اثنين وشرق النيل ووادي سوبا وأم الجداد ومكبويتة لمنع السيول من الدخول إلى ولاية الخرطوم، وأضاف: للخريف ثلاثة محاور تتمثل في (السيول ـ الفيضانات ـ والأمطار)، والسيول ماعندها كنترول والناس الماتوا ماتوا بالسيول والنيل، قمنا بعمل تروس وفيما يتعلق بالأمطار فإنه سيظل كما هو ونحن لدينا إستراتيجية لذلك، واستطرد: ما حدث داخل نفق الفتيحاب كان بسبب السيول وليس الأمطار كما يظن الكثيرون، النفق ليس به أي خلل هندسي، وكل ما في الأمر هو تعرض طلمبات الغطس أسفل النفق إلى حريق بسبب ماس كهربائي وهذه الطلمبات كانت مهمتها تصريف المياه إلى النيل.
أم درمان تهزمها السيول !!
معتمد أم درمان الأستاذ “مجدي عبد العزيز” أكد لـ(المجهر) أن 3 أشخاص توفوا جراء الأمطار والسيول، وإن المتوفين هم امرأة سبعينية بمنطقة الشقلة وفتاة ورجل في منطقة الصالحة القيعة، وقد قام بتقديم واجب العزاء لهم. إضافة لتراكم المياه بكثرة في المهندسين ومناطق الصالحة، مما استدعى شفطها، وذكر المعتمد أن مناطق الريف الجنوبي تأثرت بالسيول التي قدمت مع هطول الأمطار من شمال كردفان، مبينا أن منطقة التريس غمرتها المياه الغزيرة ولكنها تأثرت تأثرا طفيفا. وأشار المعتمد إلى أن الخسائر لم تكن كبيرة بأم درمان، وقال إن المشاكل التي حدثت بسبب الأمطار كانت بالمناطق التي لم يتم تخطيطها، وأماكن السكن على مجاري السيول والأمطار وقرب النيل، بجانب الانهيارات للمنازل بالمناطق العشوائية، والتعديات التي على تخوم منطقة خور القيعة بالصالحة.
ونفى المعتمد وجود بلاغات رسمية عن مفقودين خاصة من الأطفال، وقال إنه وبحسب متابعته مع رئاسة شرطة ولاية الخرطوم، إنه لم يتم تدوين أي بلاغ رسمي حول مفقودين جراء أمطار وسيول الخميس الماضي، وأوضح أن ما يتردد هو إشاعات فقط.
وعن ضعف الاحتياطات للخريف من جانب محلية أم درمان، أكد ضعف بعض احتياطيات الخريف خاصة في شمال أم درمان، وأوضح أن تصريف مياه الأمطار في سوق أم درمان استغرق وقتا طويلا نسبة لغزارة الأمطار، مؤكداً تأثراً كبيراً لمناطق الجزارين وشارع كرري بعد غمرها بالمياه، وانتقد المعتمد سلوك بعض المواطنين المعيق لتصريف المياه برمي المخلفات البلاستيكية فيها، مما عطل عملية التصريف والشفط.
تأثر مدارس بالخريف !!
واقر المعتمد بتأثر أعداد كبيرة من مدارس أم درمان، وقال إن التأثير ارتكز على فناءات المدارس الداخلية والميادين والشوارع حولها، مبيناً أن المحلية ومنذ الجمعة شرعت في جلب ردميات التراب لتكون المدارس مهيأة، ومؤكداً استعداد مدارس محلية أم درمان لاستقبال الطلاب اليوم (الأحد) عدا مدرسة بحي بيت المال تأثرت كثيرا نسبة لانهيار السقف المستعار، وتجري أعمال الصيانة بها وربما تكتمل اليوم.
وأضاف المعتمد في حديثه (كنا نتوقع خسائر كبيرة لولا سد الرواكيب بالريف الجنوبي والذي شارف على الانتهاء لاستيعابه كميات كبيرة لمياه السيول التي قدمت من شمال كردفان)، وأكد أن المحلية تتوقع سيولاً متدفقة من غرب أم درمان ومحلية أم بدة.
ارتفاع منسوب النيل والخرطوم و(4) آلاف طالب يعلنون النفير
وفي محلية كرري تضررت بعض المنازل وقام معتمد المحلية بجولة على المناطق المتضررة حيث وقف على خور القلعة الذي يأتي من غرب أم درمان، وشكا المواطنون من المياه الراكدة بالميادين وطالبوا بضرورة شفطها حتى لا تتسبب في توالد الذباب والبعوض وتهدم (20) منزلاً وتضررت العشرات بقرية الفتح شمال غرب أم درمان جراء الأمطار الغزيرة التي شهدتها الولاية وإلى ذلك ارتفع منسوب النيل الأزرق صباح أمس (السبت) عند محطة الديم بزيادة متر عن منسوب الأمس وبلغ المنسوب صباحا 12.36 متراً مقارنة بمنسوب أمس الأول (الجمعة) حيث كان 11.35 متراً وبلغ تصريف سد الروصيرص 538.47 متراً مكعباً فيما بلغ تصريف أول أمس (الجمعة) 463.19 متراً مكعباً وبلغت مناسيب الأمطار في الدمازين 4.2 ملم. ويزيد ارتفاع النيل من قلق المناطق المقابلة على النيل كل عام.
وأطلق الاتحاد العام لطلاب ولاية الخرطوم، أمس (السبت) مبادرة سواعد “هيا نساعد” لدرء آثار السيول والأمطار بجميع أحياء ومدارس محليات الولاية السبع.
وأعلن “هجو أحمد محمد” رئيس اتحاد طلاب ولاية الخرطوم، في تصريح صحفي عن تدشين مشروع “سواعد هيا نساعد” بمشاركة الولاية منظمات المجتمع المدني والفعاليات المشاركة في الغرفة المركزية لدرء السيول والأمطار.
وقال إن المشروع جاء بغرض مساعدة متضرري السيول والأمطار في جميع أرجاء الولاية كاشفا عن مشاركة نحو أربعة آلاف ساعد طلابي في درء السيول والأمطار.
خسائر وسط الخرطوم !!
وتسببت الأمطار في أضرار بالغة بموقف كركر بالخرطوم، الأمر الذي استدعى محلية الخرطوم إعلان خطة شاملة لإعادة تأهيل موقف كركر بسبب الأخطاء الهندسية التي صاحبت تشييده في وقت سابق ونتج عنها سوء في تصريف مياه الأمطار مما انعكس عليه ترديا في البيئة الداخلية للموقف وتراكماً لمياه الأمطار.
وأكد معتمد المحلية الفريق ركن “أحمد علي عثمان أبوشنب” عقب تفقده عمليات تصريف مياه الأمطار بالموقف باعتماد خطة تهدف لمعالجة الإشكالات التي صاحبت تشييد الموقف تشمل إزالة جميع التعديات والأخطاء الهندسية من الأكشاك والمحلات التجارية والتي شيدت على مصارف الأمطار وشبكات الصرف الصحي؛ فضلا عن استبدال نظام التصريف من الطلمبات الغاطسة والآبار الإرتوازية إلى التصريف الانسيابي عبر المصارف الرئيسة.
ولفت المعتمد في ذات الوقت إلى استمرار المعالجات الإسعافية حاليا لتصريف مياه الأمطار عن طريق التناكر ونظام التصريف القديم لحين اكتمال دراسة مشروع إعادة تأهيل موقف كركر.
تقرير ـ هبة محمود ـ سيف جامع ـ نهلة مجذوب
المجهر السياسي