هذه ليست السحابة الغاتمة الأولى في سماء العلاقات بين السودان وليبيا، إذ سبق وأنّ أُعتقل القنصل السوداني في بنغازي مطلع شهر أبريل من العام (2015)، كما أعتقلت جماعة مجهولة الملحق الإقتصادي بالسفارة السودانية في مارس من نفس العام؛ بيد أنّ تلك السحب بدأت تُمطر إتهامات وصفتها وزارة الخارجية السودانية بـ”غير المؤسسة وتفتقر للأدلة”، وذلك بعد أن أصدرت الخارجية الليبية المؤقتة بياناً طالبت فيها موظفي القنصلية السودانية بالكفرة جنوب شرقي ليبيا مغادرة أراضيها خلال (72) ساعة، بسبب “مساس موظفي القنصلية بالأمن القومي الليبي” . أسباب غير مُعلنة يعلل وكيل وزارة الخارجية الليبية والتعاون الدولي بالحكومة المؤقتة سليمان عوض قرار إغلاق القنصلية السودانية بالكفرة بسبب ممارسات يقوم بها موظفو القنصلية والبالغ عددهم (11) موظفاً إضافة للقنصل، قائلاً: إنها تتنافى مع الوضعية التي حددتها الإتفاقيات الدولية لموظفي البعثات الدبلوماسية والقنصليات، ليس هذا فحسب، فقد ذهب “عوض” إلى أبعد من ذلك، مُؤكداً في بيان صحفي صادر من الخارجية اللليبية أنّ ما تقوم به البعثة السودانية يصب في خانة المساس بالأمن القومي بالبلاد. مُعاملة بالمثل: فور إنتشار الخبر، ضُجت الأسافير، وامتلأت بأصوات مُطالبة بمبدأ المعاملة بالمثل، عازين ماذهبوا إليه، وأنّ ماحدث يصب أيضاً في خانة المساس بكرامة وعزة الوطن، وإنّ كانت الخارجية الليبية عللت موقفها، وبررت قرارها بحفظ أمنها القومي، فإن حفظ ماء وجه الوطن يُحتم على الخارجية السودانية إتخاذ قرار مُماثل، يقول المواطن (خالد الشريف) في حديثه لـ(آخر لحظة) إنّ السودان ظل لعقود يحترم الشعب الليبي ويقدره، إضافة إلى أنّ عدداً لا يستهان به من الشعب السوداني إتخذ من ليبيا موطناً ثانياً قبل زوال حكم معمر القذافي وبعده، حيث رفضت العديد من الأسر الرجوع بالرغم من ماتعانيه ليبيا ، إلا أنّ مياهاً كثيرة تجري تحت الجسر الآن، أهمها إصطفاف ليبيا مع مصر- حسب وصفه- قائلاً: إن هدفها الضغط على الحكومة السودانية بحجة إتخاذها موقفاً محايداً في أكبر قضايا الشرق الأوسط “حصار قطر” . طالب (خالد) الخارجية السودانية ترك سياسية ( تُعرب عن أسفها)، التي أشار إلى إنّها باتت تتقدم كافة بيانتها جانباً، وإتخاذ موقف صارم في قضية لا تحتمل السكوت أو الحياد أو بيانات (بيوت البكا)- كما أطلق عليها. مُحاسبة موظفي القنصلية السودانية بيد أنّه كان لجار النبي فضِيل- معلم-رأي آخر، إذ بدأ حديثه بتفحصه لبيان وزارة الخارجية الليبية المؤقتة جيداً، ثم قال قبل كل شيء، علينا أنّ نطرح السؤال الآتي: ما الجرم المرتكب من قبل موظفي القنصلية السودانية بالكفرة إستحق الطرد؟!، ثم استطرد هذا البيان بالرغم من الغموض الذي يكتنفه، إلا أنه أشار لنقطة مهمة للغاية وهي (ممارسات تتنافى مع الاتفاقيات الدولية لموظفي البعثات).. لذلك على الخارجية السودانية قُبيل إتخاذها أيّ قرار، تشكيل لجنة مُحاسبة لكافة موظفي القنصلية وعلى رأسهم القنصل فور وطء أقدامهم مطار الخرطوم، إنّ ثبت تورطهم في شيء حُوسبوا، وإن تم الإفتراء عليهم، يجب على حكومة البلاد إسترداد حقوقهم، خاتماً حديثه بقوله (هذه إتهامات خطيرة يصعب السكوت عليها). أزمة مفتعلة: لا يستبعد الخبير الدبلوماسي السفير” محمد حسن الركابي” أن يكون خلف هذه الأزمة بعض الدول التي تسعى لتشويه سمعة السودان بخلق مثل هذه الأزمات، قائلاً في حديثه لـ(آخر لحظة): (لا أستبعد أن يكون لجارتنا الشمالية- مصر- الداعمة لحفتر يد فيما حدث)، مستطرداً (شاهدتُ حلقة قبيل أيام تحدث فيها “حفتر” عن السودان بقبح شديد)، مُضيفاً أنه بعد انهيار نظام القذافي شهدت ليبيا حالة من عدم الإستقرار، حيث تحكمها الآن عُدة حكومات، مشيراً إلى أن المعاملة بالمثل ليست مجدية في الوقت الحالي. بيان هادئ:من جانبه يرى السفير الرشيد أبو شامة أنّ طرد القنصل بهذه الطريقة، يدل على إخفاق القنصلية السودانية عن أداء مهامها الأمنية بطريقة ناعمة لا تلفت الإنتباه، وقال “أبو شامة” في حديثه لـ(آخر لحظة) لا نريد أن نلف خيوط الإتهام حول أعناقنا، ولكنه كان يجب على القنصلية بالكفرة توخي الحذر والحيطة، وممارسة أعمالها بهدوء دون لفت انتباه الدولة المضيفة، إلا أنّه عاد ليقول (ليست بالمشكلة العويصة نظراً إلى أنها حدثت في العديد من الدول)، واصفاً البيان الذي صدر من الخارجية السودانية بالهادئ، بل أنه أشبه بالإعتذار منه لبيان، الشيء الذي قد يُشير إلى فرضية صحة ماورد في بيان الخارجية الليبية، ويفسر أيضاً لما عجزت الدولة هنا عن المعاملة بالمثل وتصعيد الأمر. ومابين عُلو صوت المطالبة بالمثل ورد (الصاع صاعين) والمطالبة بالتريث، وعدم تصعيد الأمر بحجة أنّه ليس من مصلحة البلاد في الوقت الحالي، تبقى الإجابة عن السؤال ماالذي يحدث؟!، في طيات الأيام ووزارة الخارجية أيضاً.
سلمى التجاني
اخر لحظة