هناك طرفة أمريكية تقول إن رجلاً يهوديًا كان حريصًا على الذهاب إلى المعبد اليهودي والصلاة فيه بانتظام ثم يجلس للدعاء ساعات طويلة طالبًا من الله شيئًا واحدًا وهو أن يفوز باليانصيب السنوي ….شاؤول اليهودي لم يكل في ذلك وواظب على الصلاة والدعاء كل سبت (يا رب دعني أفوز باليانصيب هذا العام)…ولكن برغم اجتهاده يأتي أوان السحب ولا يفوز…فيواظب العام الآخر على نفس المنوال..ولا فوز ..في العام الثالث وعند بداية العام وهو جالس في المعبد ويتضرع إلى الله بأن يجعله يفوز باليانصيب السنوي فإذا بملك يهبط إليه من السماء ليقول له (يا شاؤول إن الله يقول لك اشتر تذكرة أولاً لكي تدخل السحب)…
أهدي هذه القصة إلى صاحب السعادة والي الخرطوم وطاقمه الميمون الذين ظهروا في شاشات التلفزيون وهم يخوضون الوحل بدون أن يشمروا البنطلون (يا ربي ليه؟) متفقدين أحوال المواطنين الذين جرفتهم السيول أحياء ولازال البعض تحت أنقاض المنازل التي تهدمت….سعادة الوالي اشتر تذكرة لكي تدخل السحب فالخريف كاليانصيب يأتي كل عام في ذات الميعاد ولم يحدث أن أخلف موعده مرة …وبما أننا بلاد يقع أغلبها بالقرب من خط الاستواء فهذا يعني بالضرورة أن الخريف كل عام يأتي غزيرًا …
وبما أننا نستقبل نهر النيل الأزرق من الهضبة الحبشية فهذا أيضًا يعني بالضرورة أن السيول ستكون شديدة..هذه أشياء لا تتغير ..مسلمات يجب أن نتعايش معها ونستفيد من إيجابياتها ونقلل من آثار سلبياتها …كشف خريف العام الماضي سوء التخطيط الذي لازم الخطط الإسكانية فانهارت منازل الذين كانوا في مجرى السيل وخرج علينا المسؤولون من كوكبهم ليصرحوا بأن شرق النيل مجرى للسيول منذ آلاف السنين ..فمن المسؤول عن توزيع المئات من القطع السكنية في مجرى السيل؟ حتى أراضي الحيازات التى توارثها البعض من أجدادهم هل هي أيضًا في مجرى السيل؟ وإذا كانت كذلك هل تقف مسؤولية الوالي بأن ينذر ثم يتفرج على البيوت المنهارة ويقول بأنها كانت من طين والمفترض أن تبنى من الأسمنت؟ أم يجب عليه توفير الأسمنت لكي يكون في متناول الجميع… هل يبني الإنسان من الطين وهو بمقدوره البناء بالأسمنت ؟ أم هو جاتوه ماري انطوانيت.!!!!!
كان ذلك في الخريف الماضي فتكرر السيناريو ذاته في هذا الخريف ولكن بالجهة الأخرى من العاصمة فالفاجعة كانت في أمدرمان … فهل ترى أن الصالحة مجرى سيول منذ آلاف السنين أيضًا؟ لا أريد أن أنتقد فقط فالمصيبة أكبر من نكتفي بالكلام ولكن من الغباء أن تداوم على نفس الفعل بذات الطريقة وتستغرق نفس الوقت ثم تتوقع نتيجة مختلفة في كل مرة…في كل عام تحدث هذه الكوارث وتنهار المنازل ونخسر أرواحًا ونندب حظنا وآمالنا ثم تهدأ الأمور وننسى الأمر حتى يأتي العام الذي يليه بذات الخريف وذات السيناريو …..
اشتروا تذكرة يا سعادة الوالي والركب المجيد ،، استعينوا بمهندسي المساحة لتحديد مناطق السيول في العاصمة ..على المدى القريب حاولوا رفع درجة التأهب في هذه المناطق قبل الخريف بمدة كافية ….على المدى البعيد حاولوا إيجاد مناطق سكنية بعيدة عن مجرى السيل لترحيل وتعويض هؤلاء البشر …
اشتر تذكرة يا سعادة الوالي وأشحذ همة عمال الولاية ليحفروا المجاري لتدخل تلك المواسير السوداء الملقاة على جوانب الطريق منذ العام الماضي وتتصرف مياه الأمطار التي تتراكم يومًا بعد يوم….
اشتر تذكرة يا سعادة الوالي وأحسم موضوع النفايات المتكومة والتي أصبحت بؤرًا لتوالد مجموعة من الكائنات الحية المرئية وغير المرئية …
اشتر تذكرة يا سعادة الوالي واجعل لجنة من المهندسين الأكفاء وأكرر الأكفاء وليس فقط ذوي الولاء اجعل هؤلاء المهندسين يراجعون طرق العاصمة ومصارفها والأنفاق ومداخلها ومخارجها ..وأخيرًا أرجو أن تنظروا إلى اقتراح لمبة عبقرينو بجدية وهي أن تخطط وزارة التخطيط لبناء عاصمة جديدة في منطقة خالية من الموانع يتم فيها تلافي أخطاء كرش الفيل التي تمددت حتى تريفت وأول تلك الأخطاء هو بناء شبكة تصريف صحي كاملة شاملة للمدينة الجديدة…..
ولا أستطيع أن أختم مقالتي هذه بدون أن أشرككم معي في أغنية مسجل آدم (جايني بعد الليل دخل وأنا كنت راجيك بالصباح)…..ويا سعادة الوالي اشتر تذكرة بالله .
كتبت هذا المقال قبل ثلاثة أعوام ..وكل عام أعيد نشره ..تحت شعار الحال يا هو نفس الحال ..
صباحكم خير د.ناهد قرناص
صحيفة الجريدة