0- لم يعان المصريين القدماء من نبات ورد النيل مثلما عان أحفادهم في العصر الحديث بسببه لأنه ببساطة هذا (الدريكولا) النباتي ليس له أي علاقة تاريخية بمصر القديمة ولا بالنيل. فهو نتيجة قرار خاطئ لمحمد على باشا الذي أمر بإحضاره من بيئته الطبيعية بحوض الأمازون بأمريكا الجنوبية ليزين به نافورة القصر الملكي . إلا أن نموه السريع جدا وتغطيته للمساحة المائية للنافورة جعل خدام القصر يقطعونه ويلقونه بمجري النيل ليتحول مع الأيام لكارثة بيئية واقتصادية باقية مع الأجيال. فعلى مدار تلك الـ 220 عام يدفع الشعب المصري من ميزانية بلاده ثمنا لقرار خاطئ إتخذه ولي الأمر. فقرار محمد على باشا بإحضار ورد النيل لمصر يعادل قرار إغلاق مضايق تيران لجمال عبد الناصر عام 67 يعادل قرار حفر ترعة السيسي لعام 2015.
1- يعتبر نبات ورد النيل هو أحد المعوقات الحقيقة لرفع كفائة الثروة السمكية بمجري النيل المصري وخاصة بعد بناء السد العالي. حيث كانت الفيضانات الغير منتظمة التي تضرب البلاد قبل بناء السد العالي تساعد إلي (حد ما) في التخلص من كميات كبيرة من كتل تجمعات ورد النيل وترمي بها على ضفاف النيل.
2- فنبات ورد النيل يعتبر من النباتات الطافية على سطح الماء ويسهل جرفها في حالة وجود تدفقات مائية ضخمة مثلما الوضع أيام فيضانات القرن الماضي. ولقد إختلف الأمر بعد بناء السد العالي حيث سمحت التدفقات المعتادة الخارجة من فتحات تروبينات السد العالي بتوفير قدرا من الإستقرار للبيئة الحياتية لتكتلات تجمعات ورد النيل.
3- على الرغم من كون ورد النيل هو العدو الأول لوزارة الري المصري على مدار الـ 50 عام الماضية , إلا أن جهود وزارة الري المدعومة من ميزانية البلاد قد ذهبت سدي. حيث ترسخ جذور النباتات في كل بقاع مجري الترع بشكل رئيسي ومجري النيل بشكل أقل , وصار التخلص بالطرق الميكانيكية لورد النيل هو مجهود غير ذي جدوي. وذلك لأن التخلص من كامل جسد النبات الطافي لايعني أنك قد تخلصت منه فهو غالبا قد ترك بقاع النهر جزء بسيط منه مثل برعم أو بذرة لتبدأ دورة حياته مرة أخرى في أقل من إسبوعين وذلك لأن النبات قادر على تجديد نفسه بعدة طرق تكاثر مثل التبرعم والتجزؤ أو التقطيع بالإضافة إلى تكاثره بواسطة البذور.
4- في حالة سكون سطح الماء بمجري الترعة فإنه من السهل جدا إنتشار تجمعات ورد النيل لتغطي مسطح الترعة بأكثر من 50% في أقل من شهر . حيث تساعد قلة سرعة المياه في المجري المائي في توفير بيئة أفضل للنمو السريع لنبات ورد النيل. ومع سرعة تكاثرة فإنه يلتهم ما تبق من ماء بالترعة, حيث أن كل (نباتة مستقلة من ورد النيل) تستهلك قرابة (1.0 لتر ماء يوميا) ولهذا يقدر حجم الماء المفقود سنويا بـ (3.0 مليار متر مكعب) من حصة مصر (النظرية) ذات الـ 55.5 مليار متر مكعب.
5- قد يكون تسامح المصريين مع ورد النيل قبل بناء سد النهضة هو أمر غير مقبول , حيث إستسلمت وزارة الري لهذا العدو الشبح الذي يرفض أن يموت بل يستهلك كميات ضخمة من المياه تكفي لسد إحتياجات الشعب المصري من مياه الإستهلاك المنزلي لقرابة 4 أشهر على الأقل. فإنتاج (3.0 مليار متر مكعب) مياه الشرب من خلال عمليات التحلية الرباعية لمياه الصرف الصحي أو مياه البحر بعد بناء سد النهضة سوف تكلف البلاد مليارات من الدولارات بينما يحصل عليها نبات ورد النيل مجانا من ما تبق لدينا من مياه قليلة بالترع.
6- على الرغم من كثرة الحديث عن إمكانية إستخدام نبات ورد النيل كإضافات في مجال تغذية الحيوانات بعد إضافة نسبة منها لعلف الحيوانات. إلا أن معظم التجارب أثبت خطورة هذا الأمر بسبب إحتواء جذور النبات على معادن ثقيلة (الرصاص والكاديوم والنحاس والحديد) إمتصاها من قاع الترع التي تستخدم منذ أيام الفراعنة كمصب لمياه صرف المجاري بالقري المصرية وكذلك للمصانع مثل كيما بأسوان.
7- وينتظر بعد إستكمال تشغيل سد النهضة خلال شهر يوليو القادم وإنخفاض حصة مصر من مياه النيل بقرابة 30 مليار متر مكعب سنويا أن تتضاعف الآثار السلبية لورد النيل لتصبح بنفس خطورة سد النهضة فكلاهما قاتل للحياة على أرض مصر. حيث سيؤثر تحلل الأجزاء الميتة من ورد النيل في زيادة حموضة المتبق من مياه بمجري النيل ليخفض تدريجيا قيمة الــ PH لتصل لأقل من 6.0 عندئذ تموت معظم الزريعة السمكية لكافة أنواع الأسماك النيلية. هذا بالإضافة إلي أن سمك التجمعات النباتية لورد النيل والتي تصل أحيانا لقرابة (2.0 مترتحت سطح الماء) كافية جدا لمنع وصول الأكسجين وضوء الشمس للمتبق من أسماك بقاع النيل. كما تمثل تلك الكتل النباتية عائق كبير لحركة وسائل النقل النهري التي تنقل مواد البناء من جنوب مصر لشمالها.
8- في هذا الوقت الحرج من تاريخ الدولة المصرية يكون من العبث إهدار (3.0 مليار متر مكعب من المياه) في إعاشة نبات ورد النيل. ويجب تنفيذ حملة شعبية دائمة للتخلص من نبات ورد النيل. ومنها على سبيل لمثال تنفيذ خطة عاجلة لتجنيد الشباب في جهاز الخدمة العامة للمشاركة في تنقية المجاري المائية من ورد النيل بإستخدام وسائل المكافحة الميكانيكية وخاصة خلال فترة الخريف حيث يقل تكاثر النبات. فمكافحة ورد النيل لابد أن تتم بشكل جماعي وفي وقت محدد مثلما فعل ماوتسي تونج في الستينيات عندما دعي أبناء الشعب الصيني أن يخرجوا لحظة غروب الشمس ومعهم أطباق معدنية يخبطون عليها تحت الأشجار لمنع العصافير من الرجوع لأعشاشها فتقع وتموت خير لها من أن تأكل حبوب القمح التي القليلة التي يتعيش عليها الفلاح الصيني.
دكتور مهندس/ محمد حافظ
أستاذ هندسة السدود وهندسة جيوتك االسواحل بجامعة Uniten- Malaysia