نشرة عشرة في ذمة الله

(1) > في ذاكرة الكثير من الأجيال السودانية أن برنامج (عالم الرياضة) الذي تقدمه إذاعة أم درمان يأتي توقيتاً مع (صينية الغداء).
> فيه تشم رائحة (البامية المفروكة) و (الخدرة) و (ام رقيقة).

> ارتبط برنامج (عالم الرياضة) الاذاعي بصينية الغداء، وفيهم من تتأخر عندهم (وجبة الغداء) قليلاً فيتوافق البرنامج مع (غسيل) مكونات السلطة من (طماطم وعجور وجرجير)..وقد تتقدم الوجبة فيتزامن (عالم الرياضة) مع (الشاي) الذي يعقب (وجبة الغداء).
> حكى لي احدهم ان صورة (امه) مازالت تدور في خاطره بقميصها الاخضر المشجر، وهي منكفية على (حنفية المياه) تغسل في (الجرجير) مع صوت اذاعي يأتي من (شباك الغرفة) ينطق بكل الوضوح بـ (عالم الرياضة).
> هكذا كانت تضاريس (البرنامج) عند الشعب السوداني، باقياً عندهم بـ (جون ورقة) مهندس الاتصالات.
> كان (عالم الرياضة) المنفذ الوحيد للأخبار الرياضية في السودان ــ منه تعرف أخبار التسجيلات ونتائج المباريات وقرارات الاتحاد العام لكرة القدم وتصريحات الطيب عبد الله زعيم أمة الهلال.
> لاعب الكرة في الهلال والمريخ عندما يتم الاستغناء عنه، كان يخرج في اليوم التالي غاضباً في الصحف وهو يقول انه سمع بخبر شطبه في (عالم الرياضة).
> ذلك زمن كانت (المعلومة) فيه ذات قيمة و (الخبر) مقدساً ــ ليس كما يحدث الآن وتختلط الحقائق مع الشائعات.
(2)
> نشرة التاسعة في التلفزيون القومي قبل أن تصبح نشرة العاشرة، أيضاً كان لها ذلك (الضجيج).
> كان (رب البيت) يتخير مقعداً أمامياً لمشاهدة النشرة ليحجب ثلاثة ارباع الشاشة، مع الهدوء العام الذي ينتاب أجواء الأسرة، إذ تتوقف الأحاديث الجانبية وتمنع الحركة أو التعليق على الخبر.
> الكل كانوا في ساعة تركيز تام مع (النشرة)…مع توجيهات شديدة اللهجة ألا حديث او تعليق او ضحك اثناء عرض الاخبار، رغم اننا كان متاح لنا فقط مشاهدة (ربع) شاشة التلفاز.
> وقتها كان أحمد سليمان ضو البيت والفاتح الصباغ وعمر الجزلي وإسحاق عثمان وعبد الرحمن فؤاد، يتبارون في تقديم النشرة .. كانوا في نجومية يتفوقون بها وقتها على محمد وردي وأحمد المصطفى وعثمان حسين وعبد الكريم الكابلي وحمد الريح.
> كان من الطبيعي أن تكتب أمام أسئلة الحوارات المدرسية عندما تسأل عن (مطربك) المفضل فتقول: الفاتح الصباغ او إسحاق عثمان.
> نحن من جيل تطربه نشرة الأخبار… قبل ظهور هيفاء وهبي واليسا وشيرين عبد الوهاب.
> كان يطربنا حتى صوت الورق عندما يستبدل المذيع ورقة بأخرى.
> بهذا الأثر وتلك المكانة شكّلت نشرة التاسعة بملحقها النشرة الجوية وجدانيات الناس في السودان.
> الآن لا أستطيع أن أستوعب أن يفشل تلفزيون السودان القومي احد اعرق واقدم التلفزيونات في افريقيا والوطن العربي، بكل امكاناته واستديوهاته وكوادره البشرية المتميزة، في تقديم نشرة العاشرة مساء.
> لا أتخيل أن يصل الفشل حتى لنشرة الرابعة.
> هذا فشل مركب.
> أو (فشل) مع سبق الإصرار والترصد.
> قدموا (استقالاتكم) إذا فشلتوا في أن تقدموا (الأخبار).
> نعرف فشل السكة الحديد.
> وفشل سودانير.
> والفشل في الخريف.
> هل نفشل في نشرة العاشرة أيضاً؟
(3)
> استوقفني تعليق للأستاذ والناقد الفني أحمد نصر في صفحته على الفيسبوك وهو ينشر صورة (تاريخية) لمحمد خوجلي صالحين واقفاً لقراءة الأخبار في التلفزيون القومي، في الوقت الذي يزحف فيه زميله ارضاً لمده بخبر جديد.
> نصر كتب تعليقاً على هذه الصورة الحاضرة في ذهينة القارئ الكريم: (الصورة عام ١٩٦٣م، اي بعد عام من افتتاح التلفزيون، واللقطة لنشرة الاخبار الرئيسة على الهواء عندما وصل خبر عاجل، ووقتها بالطبع لم تكن هناك تقنيات لتوصيل الخبر الى قارئ النشرة، ولم تكن هناك اية وسيلة لتوصيل الخبر العاجل، فتوصل احد الزملاء الحضور الى هذه الحيلة الذكية وزحف ارضا داخل الاستديو وسلم الخبر الى قارئ النشرة وخرج زاحفاً حتى لا ترصده الكاميرا ويظهر على الشاشة.. ومن اللقطة يبدو أن من يقرأ الاخبار هو محمد خوجلي صالحين له الرحمة والمغفرة).
> بربكم أين كنا؟.. وأين أصبحنا نحن اليوم؟

محمد عبدالماجد
الانتباهة

Exit mobile version