هل هناك علاقة ما بين قرار محكمة الاستئناف الفيدرالية الأمريكية في مدينة كولمبيا، بدفع السودان مبلغ (٧.٣) مليار دولار كتعويضات لأسر ضحايا تفجيرات نيروبي ودار السلام عام ١٩٩٨م، والتلجلج والتباطؤ الأمريكي في رفع العقوبات، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتأجيل البت في قرار رفع العقوبات حتى أكتوبر المقبل؟ !
> يجب أن ننتبه إلى توقيتات الجانب الأمريكي حتى في المسائل القانونية والقضائية، ففي عام ٢٠١٥م صدر قرار مماثل من محكمة أمريكية بدفع السودان غرامة وتعويضات بعد أن وجهت إليه المحكمة تهماً، ثم إدانة باطلة في قضية تفجير الباخرة كول، بدفع السودان وإيران مبلغاً يساوي (٧٥) مليون دولار لأسر ضحايا المدمرة كول وعددهم سبعة عشر بحاراً أمريكياً قبالة ساحل اليمن .
> وكان توقيت قرار المدمرة كول في مفتتح شهر أبريل ٢٠١٥م متزامناً مع الانتخابات الرئاسية والانتخابات العامة، وهدف إلى التأثير السالب في سير الانتخابات وفي نتائجها، وخلق بلبلة في الأوضاع الداخلية بالسودان .
> أما القرار الحالي الذي صدر أول من أمس والغرامة المهولة وهي (٧.٣ مليار دولار)، فإن مقصده بلا شك تعويق رفع العقوبات الأمريكية عن السودان بشكل كلي، ومنع التقدم في العلاقات السودانية الأمريكية، وكما نرى فإن ترافق قرار محكمة التفجيرات التي راح ضحيتها مائتا شخص في التفجيرين المتزامنين بنيروبي ودار السلام.. ونشاط كثيف لناشطين أمريكيين ومنظمات وجهات تعادي السودان هذه الأيام، هو مربط الفرس، فهناك من يسعى إلى تأزيم العلاقة ومنع تطورها وقطع الطريق أمام رفع العقوبات، ويجري لهاث محموم من ناشطي قضية دارفور وأبنائها في المهجر الأمريكي، وتحاول منظومة الناشطين في إمريكا إلصاق تهم الإرهاب وإثبات إدانته وتحميله نتائج الأحكام القضائية لأنه أسهل الطرق لثني زمام مؤسسات الإدارة الأمريكية وحجب رفع العقوبات وبقاء السودان يرسف في أغلالها .
> والغريب أن المحكمة الأمريكية ذكرت أن حكومة السودان فشلت في إثبات براءتها وتقديم أدلة تثبت عدم تورطها في التفجيرات في القضية المرفوعة قبل سبعة عشر عاماً غاب فيها محامي الحكومة منذ عام. ٢٠٠٤م، وإذا كان ذلك صحيحاً فإن الاستهتار وسوء التقدير هو السمة التي دائماً ما تتصف بها حكومتنا في التعامل مع مثل هذه الشؤون، خاصة المتعلقة بالقضاء والمحاكم .
> ومع أن هناك ملمحاً سياسياً في إعلان هذا الحكم في قضية تفجيرات نيروبي ودار السلام والحكم الذي سبقه في تفجير المدمرة كول، فإن حكومة السودان عليها أن تقدر الأمور بقدرها وألا تتجاهل قدرة أعدائها على تصويب سهامهم عليها، فالخيارات قليلة وضئيلة إذا سارت في هذا المسار القانوني، وطريق التسويات السياسية ممكن، لكن نخشى أن يتم ابتزاز السودان بهذه الأحكام كما حدث في قضية لوكربي مع ليبيا في عهد القذافي، وقد عملت الدول الغربية الثلاث بريطانيا والولايات المتحدة في حادثة طائرة لوكربي وفرنسا في حادثة الطائرة الفرنسية التي فجرت في صحراء النيجر عام ١٩٨٨م، عملت على ترهيب ليبيا وابتزازها عن طريق المحاكم التي رفعت فيها أسر الضحايا القضايا أمام المحاكم في الولايات المتحدة وفرنسا واسكتلندا .
> لقد تعود السودان على أساليب الخداع الأمريكية، والإدارة الحالية تُمارس لعبتها بطريقة فجة وسمجة للغاية في كل القضايا والأزمات الدولية، ولديها إحساس متعاظم بالطغيان والتنمر والتنكر لمواقف سابقة، وهي تعلم أن السودان أوفى بكل التزاماته معها عبر الحوار المباشر في المسارات الخمسة، وليس هناك من سبيل للتراجع من الجانب الأمريكي إلا عن طريقين، أولهما اتخاذ البيت الأبيض قراراً جائراً لا يبنى على حيثيات كما حدث مع كوبا وهو أمر يستبعد في هذه الظروف، وثانيهما لجوء بعض الدوائر داخل الولايات المتحدة بمناصرة جماعات الضغط التي تعادي السودان لتمرير قرار التنصل من رفع العقوبات عن طريق استخدام وتوظيف حكم المحكمة الفيدرالية باعتبار السودان مداناً في قضية إرهاب وقتل أمريكيين لا يمكن رفع العقوبات عنه، وفِي رقبته مليارات الدولارات من التعويضات لأسر ضحايا أمريكان، وهنا تكمن اللعبة السياسية القذرة التي تلعبها معنا واشنطون.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة