حظر الواتساب
-1- لا حديثَ في المجتمع السُّوداني هذه الأيَّام، إلا عن ما باتت تمثله الشائعات الإسفيرية من تهديدٍ للأمن الاجتماعي.
حادثةُ اختفاءٍ غامضة لامرأةٍ في منْتصَف الأربعينات، أصبحتْ مصدراً لإنتاج الكثير من الشائعات المُرعِبَة التي تُروِّج لبُروز ظاهرة اختطاف أفراد بغرض سرقة أعضائهم البشرية.
ما أقلقَ المسؤولين، وكبار رجالات الدَّولة، قوةُ انْتشار تلك الشَّائعات وعدمُ المقْدرةِ على احتوائها عبرَ بيانات وتصريحات النَّفي والتَّوضيح الصَّادرة من جهات الاختصاص.
-2-
وتيرةُ القلَق بلغتْ قمَّة جهاز الدَّولة، حيث دعا الرَّئيس عمر البشير، لاجتماعٍ طارئ لوزراء ومسؤولين أمنيين للتفاكر حول كيفية الحدّ من الشائعات، وما يترتب عليها من مخاطرٍ تُهدِّد سلامة المجتمع وأمنه.
-3-
المعلومات التي تسرَّبت من ذلك الاجتماع الرَّفيع المستوى، أشارتْ إلى أن الحكومة قد تتجه لمعالجة الأمر عبر خيارين :
الأول/ فرضُ عقوباتٍ رادعة لمُنْتجي ومروِّجي الشَّائعات عبر تفعيل قانون المعلوماتية، وهو قانونٌ حديث، لم يجد حقَّه من التَّطبيق على نطاقٍ واسع، ربما لعدم التَّعريف به إعلامياً بصورةٍ تجعله في متناول فهْم الجميع.
الخيار الثاني/ توجيه شركات الاتصالات بحظرِ بعض تطبيقات الهواتف الذَّكية، مع التركيز على تطبيق الواتساب، وهو الأكثر شُيوعاً في السُّودان، والأكثر مساهمةً في انْتشار الشَّائعات.
-4-
من الواضح وجود شبه إجماع في المجتمع السُّوداني، على ضرورة تشديد العقوبات في جرائم المعلوماتية، لإضرارها البالغ بالمجتمع والأفراد.
الواتساب أصبح دائرة مُغلقة بإحكام.
إذا كانتْ السكة الحديد في زمانٍ بعيدٍ قد قرَّبت المسافات، على قول المُفكِّر السوداني بروفيسور عبد الله على إبراهيم، فإن الواتساب قد ألغى المسافات، وأزال الحواجزَ، وجعلنا جميعاً في غرفة زجاجية واحدة.
في رسائل الواتساب نقطة النهاية هي ذاتها نقطة البداية، والمُرسِل هو ذاته المُستقبِل.
-5-
المعالجاتُ القانونيةُ مهمةٌ وضرورية، ولكنها جزء من الحل وليست كل الحل.
القاعدةُ الذَّهبية في مكافحة الشَّائعات، هي توفيرُ المعلومات بالدقَّة والسرعة اللازمة من قِبَل الجهات ذات الاختصاص والمصْداقية.
المعلومات المغلوطة، أو الشَّائعات المُخْتلقَة أو المُحوَّرة، تكتسب قوةً وصلابة مع مرور الزَّمن، وكثرة التكرار واعتيادية التَّرديد، حتى تصبح أقوى من الحقائق، بل قادرة على هزيمة الحقائق في لحظات المواجهة.
المعلومات النَّاقصة وغير المُتماسكة، والتي بها ثغرات، تُمثِّل خطورة أكبر من الشائعات؛ بل إنها من الممكن أن تُعطي الشَّائعات قوةً، وتزيد من رَواجِها، ولا يُجدي بعد ذلك تصويبٌ أو توضيح.
-6-
الشَّائعات تتمدَّدُ في مساحات الصَّمت الرَّسمي، والأرقام تتضخَّم في غياب المعلومات، أو إبراز أنصاف الحقائق وأرباعها.
السلوك الإعلامي للحكومات، هو الذي يُوفِّر مناخاً صالحاً لظاهرة الأشباح الإسفيرية ولتجَّار الشَّائعات.
سلوكُ دسِّ الرؤوس في الرمال، والإنكار المُطلَق، وفرض الرَّقابة والتَّحكُّم في النَّشر وتغييب المعلومات؛ كل ذلك يجعل الصُّحف والفضائيات هزيلةَ المُستوى، وضعيفةَ المصداقية وقليلةَ التأثير، وتصبح وسائلُ التَّواصل الاجتماعي سيدةَ الموقف.
-7-
أما التَّوجُه والدَّعوة لتقييد خدمة الواتساب في السُّودان، فهي دعوة عاجزةُ وقاصرة، شبَّهها البعضُ، ومنهم صديقُنا حسين ملَّاسي، بدعوات الماضي لتقييد اسْتقبال القنوات الفضائيَّة، بل، وبتحريم مُشاهدة التلفزيون في بعض الدول العربية أوانَ ظهورِه، لا، بل وبالتَّحريم السَّابق هنالك لركوبِ الدرَّاجة.. بحسبانها حصان إبليس!
-أخيراً-
طالما أن هنالك هواتفَ ذكية، وخدمةَ إنترنت متوفِّرة، توجد إمكانية متاحة للتواصل عبر عدة خيارات تتيحها ثورةُ الاتصال، الواتساب واحدٌ منها فقط.
قد تكون لشركات الاتصالات السُّودانية، منفعةٌ وفائدةٌ من توقيف خدمةِ الاتصال عبر الواتساب، ولكن سُرعان ما تتبدَّد تلك المنافع المؤقتة، مع انتقال الجمهور لتطبيقات أخرى، أو كسر ذلك الحظْر عبرَ عملياتٍ فنِّيةٍ سريعة، لا تصعب على أطفال وصِبْيَة المدارس.
المنعُ المُطلق دليلُ عجزٍ وضَعْفُ حِيلة. من الأجدى والأوفق التَّحكم عبرَ القوانين، وتوفير المعلومات بالسرعة والدقَّة اللازمة.
هذا هو البديلُ الذي يُغني عن المنْع و(العَوِيْل).
ضياء الدين بلال
السوداني