يعتبر ملف ديون السودان الخارجية من الملفات الأكثر تعقيداً نسبة لتراكمها منذ سنوات مع ارتباطها بديون دولة جنوب السودان قبل الانفصال الأمر الذي جعلها أكثر تعقيدا لعدم اتفاق الجانبين علي معالجتها مؤخرا ، وعلى الرغم من ذلك تقدمت حكومة السودان كثيرا في الايفاء بمتطلبات مبادرة إعفاء الديون للدول الاقل نمواً (هيبك) ، ويبدو أن قرار رفع العقوبات كليا عن السودان قد نزل بردا وسلاما علي ملف الديون الخارجية الذي أصبح يجدد تأييد مجموعات مقدرة في المعالم لدى المجتمع الإقليمي والدولي.
السودان من أكثر الدول ديونا تجاوزت سقف الهيبك بحوالي (200)% مما يمكنه من منح بطاقة إستيفاء الشروط الفنية الخاصة بالمعالجة على المستوى الدولي ، إذ تبع قرار تمديد فترة رفع العقوبات الاقتصادية عن السودان لثلاثة أشهر أخرى خطوات عملية قامت بها الادارة الامريكية لصالح حكومة السودان تتعلق بانسياب التحويلات المالية على المستوي الخارجي دون قيود ، الامر الذى أعتبره خبراء الاقتصاد بداية الانفراج الكلي لازمات الاقتصاد الوطني وفي مقدمتها معالجة ملف الديون الخارجية على الرغم من ان الملف يرتبط بقضايا سياسية بحتة.
وبالنظر إلي حجم الديون الخارجية البالغ قدرها حوالي (47) مليار دولار نجد أن الأصل فيها (15) مليار دولار وبقية المبلغ عبارة عن أرباح تتراكم بطريقة مركبة تضاف إي الاصل زائدا أن الأرباح تساوي خدمة الديون ، والدائنون للسودان هم البنك الدولى ونادي باريس وهو الوحيد الذي يملك حق إعفاء الديون جزئيا أو كليا، والبنك الإسلامي للتنمية، بالإضافة إلي ديون الدول وصناديق لإقليمية وعربية أخري.
وجميع المؤشرات تدل على ان السودان قارب مرحلة معالجة الديون سواء كان على مستوي الحظر الأمريكي الذي يعتبر عامل رئيس في تراكم الديون ، أو استيفائه لشروط ومتطلبات مبادرة الإعفاء من الديون للدول الأقل نمواً (هيبك) ، التي تتيح للدول الاعضاء المقرضة إعفاء أو جدولة ديونها للمقرضين .
ويؤكد محمد سليمان الركابي وزير المالية والتخطيط الاقتصادي استمرار خطوات السودان لاستكمال إجراءات إعفاء الديون الخارجية، ومعالجة القصور في أدوات الدين الداخلي ، ويشير إلي إدخال التعديلات التي جرت على (مبادرة هيبك المعززة) في العام (1999)م ، بغرض إتاحة إعفاء أوسع وأسرع من أعباء الديون لمجموعة أكبر من البلدان المؤهلة للاستفادة من هذه المبادرة.
ويكشف الوزير في حديثه عن ترتيباتهم لقيادة مفاوضات واتصالات مباشرة مع مؤسسات التمويل الدولية على رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، بهذا الشأن بهدف تمكن السودان من الإعفاء من الديون الخارجية بعد أن أوفى بكل المتطلبات، ويوضح أن ديون السودان حتى الربع الأول من العام الحالي بلغت نحو (47) مليار دولار، بدأت بـ17 مليار دولار وتراكمت عليها الفوائد ، ويشير إلي مشاركة دولة جنوب السودان في تحمل جزء من الديون التي زاد عليها عبء الحصار الاقتصادي الأميركي للسودان الذي أفقد البلاد ما بين (60 و70) مليار دولار في شكل قروض ميسرة ومساهمات دولية متاحة للسودان.
ويقول وزير المالية أن عدم تلقي السودان للقروض الميسرة والتسهيلات أدى إلى تأخر عملية التنمية والإعمار وإلحاق آثار سلبية بالمواطنين ، حيث ظلت الحكومة تصرف على التنمية من خلال القروض غير الميسرة ذات العمولات الأعلى، والصكوك والمرابحات العالية التي تصل نسبتها إلى 15 في المائة، فيما كانت تبلغ نسبة الفائدة في القروض الميسرة (1%) فقط.
ومؤخرا ظلت تقود بريطانيا والهند والبنك الأفريقي للتنمية جهود لإعفاء السودان من الديون إذ تم تشكيل تحالف أفريقي بريطاني بهذا الشأن، ويضم الاتحاد الأفريقي ودولتي السودان وجنوب السودان، وذلك لبحث المسودة الفنية التي سيقدمها التحالف في المحافل الدولية للاعفاء من الديون أو جدولتها، وبالمقابل أعلن وقتها البنك الأفريقي للتنمية عن وضعه استراتيجية محددة لإعفاء السودان من الديون، على أن يعين البنك خبيرا لمشاركة اللجنة الثلاثية السودانية في هذه المهمة الصعبة باعتباره أن ديون السودان تشكل عئباً كبيراً على حكومة كانت تعاني من حصار دولي امتد نحو 20 عاماً.
وقادت حكومة السودان جهودا كبيرة خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن في مايو الماضي، تمخضت عن رفع ملف الديون السودانية إلى اجتماع الصندوق والبنك الدوليين في أكتوبر المقبل. كما قدمت دول عربية دعما للسودان في إعفائه من الديون الخارجية خلال اجتماعات الربيع، وتمثل ذلك في خطاب الدول العربية المشترك لرئيس البنك الدولي، الذي تضمن صراحة مطالبة عربية بإعفاء السودان من ديونه، ويبدو أن مساندة الدول والهيئات والمنظمات الدولية للسودان في ملف الديون جاءت بصورة أكثر جدية بما يمكن حكومة السودان من ربح المعركة هذه المرة.
وفيما يتعلق بالديون المشتركة مع حكومة جوبا قبل الانفصال لم تفلح الدولتين في الاتفاق على كيفية معالجتها، ولكن حسن أحمد طه الخبير الاقتصادي يرى أن أفضل طريقة مناسبة أن تتحمل حكومة دولة الجنوب (30%) والمتبقي لحكومة السودان، مستشهدا باتفاق الحكومتين الذي تم مؤخرا الذ نص على استراتيجيات تشراك الدائنين والمانحين لإعفاء الديون قبل انفصال الجنوب في العام (2011)م ، فضلا عن تعزيز برامج التنمية المشتركة على طول المناطق الحدودية المشتركة تماشيا مع مبادئ الحدود الناعمة ورؤية تحقيق دولتين قابلتين للحياة في سلام بعضهما.
ويرى مراقبون أن إعفاء الديون عالميا له آلياته ومعالجتها تتم بطرق مختلفة فهناك ديون غير قابلة للخصم والاعفاء وعلى الدولة دفعها أولا توطئة لمعالجتها، أما الخطوة الثانية تتطلب من الدولة تقديم طلب للبنك الدولي بان يدعو لاجتماع مشترك يضم نادي باريس لمناقشة الديون الثنائية الرسمية، بالإضافة إلي المتابعة الصيقة مع هيبك ، ويقول مجذوب جلي أن ملف الديون يمكن تحركيه بالتنسيق مع المالية والمركزي لاسترداد هذه الديون، وفي ذات الوقت توقع حدوث انفراج كبير في ملف الديون الخارجية بعد رفع العقوبات كليا عن السودان في أكتوبر المقبل.
تقرير: الطاف حسن
(smc)