ردة فعل شعبية ورسمية غاضبة في البلاد، اجتاحت وسائل التواصل، وأحاديث الأهالي، ووصلت إلى استدعاء السفير العراقي لدى الخرطوم، وذلك على خلفية الاعتداء الآثم الذي تعرض له المواطن السوداني المقيم في العراق موسى البشير.
وأظهر فيديو واسع التداول، تعرض موسى للاعتداء، ولعبارات ذات طابع عنصري، من قبل مليشيا عراقية.
(الصيحة) أخذت تنقب لأيام وراء موسى البشير، المقيم في الموصل، وعبر قنوات تواصلت عثرت على هاتفه النقال وأجرت معه الحوار التالي.
حوار: الهضيبي يس
ـ بداية عرفنا بنفسك؟
أنا موسى البشير آدم الحاج.
ـ كم تبلغ من العمر؟
أقترب من السبعين.
ـ ما الذي أوصلك إلى العراق؟
جئت في منتصف الثمانينات بحثاً عن العيش والرزق، حيث كان العراق وقتذاك مقصداً للعديد من السودانيين والعرب والأفارقة.
ـ في أي المجالات تعمل؟
أعمل في إحدي المزارع العراقية التي تنتج وتسوق الدواجن، هذا بالإضافة إلى عمل خاص آخر في السوق.
ـ من أي المناطق أنت في السودان؟
من مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور.
ـ كم مكثت في العراق حتى الآن؟
مكثت في العراق حتى الآن ما يقارب الـ (32) عاماً، حيث تجولت في معظم المدن العراقية سواء (الموصل – البصرة – بغداد .. الخ).
ـ ماذا عن الأسرة؟
لدي من الأبناء ثلاثة، منهم بنت، وجميعهم درسوا بالجامعات العراقية نسبة لأن أمهم عراقية.
ـ حدثنا عن الاعتداء الذي تعرضت له، وعن الجهة الواقفة وراءه؟
هم مجموعة من منسوبي ما يعرف بـ (الحشد الشعبي العراقي)، وهؤلاء مقاتلون يحملون السلاح وقد دخلوا في أوقات سابقة بمعارك مع تنظيم داعش التي قامت باجتياح مدينة الموصل وضربت عليها حصاراً دام نحو ثمانية أشهر.
ـ لماذا أنت بالتحديد؟
ربما لأن مظهري الخارجي كان يوحي بملامح سنية باعتبار وجود اللحية التي كانت طويلة بعض الشيء، فضلاً عن لون البشرة حيث كان هناك العديد من المقاتلين الذين يقاتلون بصفوف داعش وهم أصحاب السحنة السمراء.
ـ لوحظ أنك صمدت أمام النيران؟
الحمد لله، بالرغم من المضايقات وما تعرضت له وقتذاك كان عندي إحساس بضرورة مجابهة الأمر، وعدم استجداء هؤلاء الأشخاص. وكان من الضرورة بمكان أن أصمد باعتبار أني سوداني في المقام الأول تربيت وتعلمت مواجهة المخاطر والصعاب مهما كانت.
ـ أين ومتى وقعت الحادثة؟
بإحدى باحات سوق مدينة الموصل، وكنت وقتذاك خارجاً من المنزل لقضاء بعض الحوائج، في أعقاب خروج داعش التي دمرت كل شيء وخلفت من ورائها ركاماً من المنازل والمحال التجارية التي سوّتها بالأرض.
ـ من قام بإسعافك؟
أحد الأصدقاء العراقيين الذين تربطني به صلة منذ سنوات، حيث قام بفتح منزله لشخصي وتولى أمر إسعافي وتوفير العلاج لي في منطقة حمام العليل.
ـ هل تعرضت لأي خسائر بخلاف الأذى الجسدي؟
نعم، تعرضت إلى خسائر في مقابل النجاة بروحي، وللأسف الشديد فقدت (15) ألف دولار تعتبر بمثابة تحويشة العمر بالنسبة لشخص مثلي، على يد هؤلاء المسلحين في عملية السطو الآثمة التي قاموا بها.
ـ ماذا عن الإصابات التي تعرضت لها؟
الحمد لله على كل حال، فقد أصبت بعيار ناري في قدمي اليسرى من قبل أحد قوات داعش عندما قام بإطلاق النار بصورة عشوائية، ومؤخرًا كانت حادثة فقدان أموالي.
ـ هل تحمل أوراقاً ثبوتية؟
بعد الحادث، عاودت في الأيام الماضية السفارة السودانية بالعراق لتجديد كافة أوراقي الثبوتية التي أحملها، خاصة جواز السفر الذي لم يعد ساري المفعول منذ سنوات.
ـ هل تنوي العودة إلى السودان؟
ـ ما يزال الوقت مبكراً لهذه العودة.
ـ لماذا؟
لدي الكثير من الالتزامات، وبعض الأمور التي في حاجة إلى إكمالها، كديون بطرف بعض التجار أود تحصيلها.
ـ ماذا عن وضعك الصحي الآن؟
الحمد لله الآن أنا أتماثل للشفاء، بعدما دخلت المستشفى وحظيت بالإجراءت اللازمة، ولكن ما زلت أمشي على العصا، بعد الإصابة التي تعرضت لها نتيجة الطلق الناري.
ـ كيف تنظر الى تفاعل السودانيين مع الحادثة؟
لم أكن أتوقع هذا القدر الكبير من التعاطف والتفاعل مع الحادثة، وكذلك تصويرها والتوثيق لها.
ـ الحادثة أظهرت شجاعتك؟
ظروف الحياة وما عشت فيه من أوضاع وتقلبات جعلني قادراً على تحمل أي شيء ومواجهته بشجاعة ومن دون تردد.
ـ الحكومة السودانية قامت باستدعاء السفير العراقي بعد الحادثة؟
ـ أود أن أثني على الحكومة السودانية والسفارة هنا في العراق التي ساعدت في تقديم المساعدة لشخصي فور سماع الحادثة، بل وإرسال مندوب خاص للاطمئنان على صحتي، وأصدقك القول إنه منذ تطورات الأحداث في العراق ودخول داعش أطلقت السفارة نداء استغاثة للسودانيين الموجودين في العراق وعملت على تسهيل إجراءات عودتهم إلى البلاد، وبالفعل عاد العشرات منهم.
ـ هل استفدت من هذه الواقعة؟
بالتأكيد، استفدت من هذه الواقعة وغيرها من الحوادث التي كشفت لي عن معدن وأصالة العديد من الأشخاص الذين أعرفهم بمن فيهم العراقيون أنفسهم الذين تربطني بهم علاقات ممتدة.
ـ ما صحة ما يتردد عن وجود تمييز يرزح تحت وطأته السودانيون بالعراق؟
هذا الأمر غير صحيح، فشخصي هنا منذ سنوات، ومسألة ظهور بعض المضايقات لا تجعلنا نطلق عليها حالات تمييز، حيث إن سمعة السودانيين معروفة فهم يمتازون بقدرات وكفاءات كبيرة، وهم مكان احترام وتقدير وسط الجاليات والمجموعات السكانية الأخرى.
ـ ألم يصلك أي اعتذار من جهة رسمية عراقية؟
لا، لم يصلني أي اعتذار حتى الآن من قبل جهة عراقية رسمية، وما وردني من اعتذارات كان آتياً من بعض الاصدقاء والجهات الشعبية العراقية التي رفضت هذا السلوك جملة وتفصيلاً.
ـ بصراحة هناك أحاديث تربطك بـ (داعش)؟
صمت قليلاً ثم أجاب: ليست لدي أي علاقة بـ(داعش)، بل أنا شخص تضرر منهاـ وعندما قررت قوات داعش الانسحاب من مدينة الموصل قامت بإطلاق النيران بشكل كثيف وبصورة عشوائية فكنت أحد الذين أصيبوا بطلق ناري كان أن يتسبب لي في حالة شلل.
ـ ذكريات في الخاطر عن السودان؟
من المؤكد لدي من الذكريات التي ما زلت احتفظ بها في دواخلي، بداية من مدينة نيالا والأهل والاصدقاء بجنوب دارفور، وشوارع العاصمة الخرطوم، ومحطات الدراسة والعمل ما بين دارفور وشمال كردفان والخرطوم.
ـ مع من تقيم حالياً؟
حالياً أقيم برفقة أحد الأصدقاء العراقيين ممن عملوا على مساعدتي ومد يد العون لي بعد الحادثة، وأعده أخاً بأكثر مما اعتبره صديقاً.
ـ هل تعيش في أمان حالياً؟
حتى تاريخ اللحظة نعم. أما شأن المستقبل فهو في أمر الغيب، وما يحدث غداً شيء غير معروف، والأمان هو بالوجود وسط مجموعة الأصدقاء والمعارف الذين أكن لهم الاحترام والتقدير والثقة.
ـ ماذا عن الأبناء وعلاقتهم بالسودان؟
أبنائي لديهم ارتباط جيد بالسودان، على الرغم من بعد المكان واختلاف البيئة، ولكن لطالما كنت حريصاً في تربيتهم على تعريفهم بالسودان من حيث اللهجة وطقوس المأكل والملبس باستمرار، بل أن أكبر أبنائي كان حريصاً على زيارة السودان والتعرف على الأهل هناك.
ـ ما الذي حصدته إلى الآن في رحلة الغربة؟
الغربة مؤلمة جداً، وهي فاتورة باهظة يدفعها المغترب من أعز ما يملك وهو العمر، وعلى المستوى الشخصي دفعت كثيرًا في سبيل البحث عن حياة أفضل وواقع اقتصادي واجتماعي خارج السودان.
ـ حدثني عن لحظات مطبوعة في الذاكرة؟
تكاد تكون أحلك الأوقات هي التي عشتها خلال الأشهر الماضية أنا والعراقيون أنفسهم، ونحن تحت وطأة الحصار والرصاص وإطلاق النار من قبل داعش التي اجتاحت الموصل وبقية القرى العراقية المجاورة وتحديد مسارات الحركة لكل شخص.
ـ إذن شاهدت الموت بأم عينيك؟
نعم، شاهدت الموت مراراً وتكراراً، بل تابعت كيف كان سقوط المنازل، وصراخ النساء والأطفال، واعتقال الرجال، وتعذيب بعضهم من وقت لآخر من قوات داعش.
ـ ماذا عن بقية السودانيين في مدينة الموصل؟
لم يتبق بالمدينة سوى القليل منهم، حيث فضل الأغلبية المغادرة والخروج والاستجابة لنداء استغاثة سابق أطلق من السفارة لإجلاء السودانيين من المدينة.
ـ ولماذا فضلت البقاء في الموصل؟
لأسباب عديدة منها وجود أبنائي وزوجتي في المدينة، فمن المستحيل تركهم من دون توفيق أوضاعهم بالإضافة إلى ارتباطات وعلاقات أخرى.
ـ يقال إنك (شيخ عرب) وسط العراقيين؟
ضحك: (شيخ عرب دي عندكم انتو هناك في السودان) نحن هنا نحاول أن نعرف الناس بعاداتنا وتقاليدنا، وحين نلبس (الجلابية) مثلاً نكون معروفين بأننا سودانيون.
ـ هل من نصيحة ولمن توجهها؟
مؤكد أود أن أنصح نفسي أولاً، ومن ثم غيري بقوة الإيمان والصبر والقناعة بأن جميع المصائب والوقائع هي امتحان في الأصل من كريم مقتدر.
ـ أمنية تراودك؟
أتمنى أن يعود الزمن بي لمراجعة العديد من القرارات، وتحقيق مجموعة من الأمنيات والغايات وتدارك الأخطاء.
ـ هل أنت متفائل؟
لحد ما، والحمد لله فقد تجاوزت امتحاناً آخر وضعت فيه.
ـ إلى ماذا تطمح؟
أطمح بأن أعيش في أمان، وكذلك الاطمئنان على أبنائي وزوجتي وتوفير سبل العيش الكريم لهم، وتأمين مستقبلهم، وهو يكاد يكون طموح أي أب في مثل حالتي.
ـ رسالة أخيرة؟
أود أن أبعث برسالة أخيرة إلى أسرتي بالسودان، وأقول لهم إنني بخير وبأتم الصحة والعافية، وأبنائي في العراق أيضاً كذلك، وأشكر كل من تواصل معي واطمأن على صحتي وحرص على التفاعل مع ما تعرضت له.
الصيحة