ضرائب .. فنية !

إعلان (مهم)، ربع صفحة، صادر عن ديوان الضرائب – رئاسة ضرائب ولاية الخرطوم – (إدارة الإعلام والعلاقات العامة)، جاء فيه (تماشياً مع الروح الوطنية، وانطلاقاً للدور الوطني الرائد (المقصود: وانطلاقاً من الروح الوطنية)، لأصحاب المهن الغنائية والموسيقية بشقيها الشعبي والحديث وفرق الإنشاد والمدائح، وكل من لهم علاقة بالفن بكافة مسمياته، يهيب السيد مدير عام ضرائب ولاية الخرطوم بأصحاب المهن أعلاه بتوفيق أوضاعهم الضريبية والإسراع باستخراج الرقم التعريفي الضريبي وفتح الملفات الضريبية لمن ليست لهم ملفات ضريبية).. في فترة أقصاها 15 /8 /2017م، علماً بأنه بعد نهاية التاريخ المحدد سيتم ربط تصديق الحفلات بمختلف مسمياتها بالرقم التعريفي الضريبي)،

ليس لدينا اعتراض في أن تفرض ضرائب ضرائبها على كل صاحب دخل .. حتى (الشحاذين).. فقط لدينا ملاحظتان الأولى هي في الفكرة نفسها ومدى ملاءمة فرض ضريبة على الفن و(مشتقاته)، وإمكانية تطبيق ضريبة على الترفيه والغناء وهو آخر ما تبقى من مدخلات إدخال البهجة على المواطنين، بعد أن أدخلت عليهم الرياضة الغم والحزن، المؤسف حقاً أن الحكومة وهي تبحث عن إيرادات إضافية سترسل موظفيها لمداهمة الحفلات وطلب إبراز الرقم التعريفي الضريبي، وربما إيقاف الحفل إن وجدوه مخالفاً، هذا القرار يتماشى مع توجيهات وزير المالية محمد عثمان الركابي بعد تعيينه مباشرة، والتي دعا فيها الى إدخال حتى الأنشطة غير المشروعة تحت المظلة الضريبية..
لاشك أن هذه القرارا في حق أصحاب المهن الغنائية والموسيقية فضلاً عن انعكاسه على أوضاعهم ومداخيلهم، فإن المواطن (المحتفل) سيتحمل هذه المفروضات الضريبية وبهذا فإن تكلفة الترفيه سترتفع، أسوة ببقية الاحتياجات الضرورية.

هل يسري هذا القرار على عضوية الاتحادات الغنائية والموسيقية المسجلين فقط؟ أم سيشمل كل أصحاب النشاطات الفنية؟ هل تم وضع فئة ضريبية، وكيفية معرفة حجم (عدادات) الفنانين وأصحاب المهن الموسيقية؟، واذا كانت الفواتير (المختومة) هي المبرئة للذمة لدى الضرائب، فكيف يتم التعامل في نشاط يتم الاتفاق فيه شفاهة، ربما الضرائب تفكر في إلزام أصحاب المهن الموسيقية باستخراج دفاتر للفواتير، وما العمل في وجود أنشطة يذهب دخلها للأعمال الخيرية أو في الأساس لا تحقق إيرادات عن المنتج النهائي، ونخشى أن نرى يوماً تفرض فيه الضرائب على قارئ القرآن أو المؤذن، هذا الإعلان بدا متعسفاً يربط تصديق الحفلات بمختلف مسمياتها بإبراز الرقم التعريفي الضريبي، وتحديد منتصف أغسطس لسريان لقرار، ولعلم أهل الضرائب هناك حفلات ونشاطات فنية تم التعاقد عليها بالفعل حتى رأس السنة وقبل صدور هذا القرار.

الملاحظة الثانية أن إدارة الضرائب لم تلتفت الى أهم وأكبر مستودع للفاقد الضريبي، و هو ضريبة الدخل الشخصي للدستورين، الذي يبلغ وفقاً لتقديرات شبه رسمية حوالي ( 22) مليار ج في السنة تمثل (20%) من موازنة الحكومة، حسب إحصاءات الحكومة يوجد (8,500) دستوري، لا يدفعون ضرائب الدخل الشخصى ، و لا يدفعون كهرباء أو مياه أو رسوم محلية ويحجون ويعتمرون و يتعالجون على نفقة الدولة، في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد لماذا لا يتم إلغاء الاستثناء الوارد في منشور ضريبة الدخل الشخصي للدستوريين وكبار الموظفين الواردة في لائحة 1987؟ مع العلم أن هذا الاستثناء مخالف للدستور، ولأبسط معايير العدالة والمساواة بين مواطني جمهورية السودان.

عليه فإننا نربأ بالضرائب أن تتربص بالفنانين، وتقنن الضرائب وتطارد أصحاب الدخول الصغيرة، وأصحاب المهن الهامشية، تلهفاً على ملاليم، مقارنة (بالقطط السمان) أصحاب الدخول الكبيرة من الدستوريين، وأولئك الذين يحصلون على إعفاءات غير قانونية على أنشطة تجارية تدر أرباحاً خرافية، لعل الوقت قد حان لأن يدشن السيد رئيس الوزراء عهده بقرار مهم لتحقيق العدالة، وتوفير المليارات لخزينة الدولة، وذلك بإصدار قرار بإلغاء استثناء الدستوريين من ضريبة الدخل الشخصي لسنة 1987م، أو بدائلها لكبار الموظفين (تدفعها الدولة)، ربما من هنا يبدأ إصلاح أجهزة الدولة، ضريبة على الغناء.. البكاء كيف ؟

ما وراء الخبر – محمد وداعة
صحيفة الجريدة

Exit mobile version