لم يكن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول جهود السودان في مكافحة الإرهاب هو الأول من نوعه لكنه يعتبر الأهم ، لجهة انه جاء في وقت تتطلع فيه الخرطوم وواشنطن لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب عقب القرار الأمريكي الذي اصدره الرئيس دونالد ترامب بتمديد رفع العقوبات الإقتصادية نهائياً عن السودان لثلاثة أشهر اخرى.
وتأكيداً للمؤكد أقر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية حول مكافحة الإرهاب بإحراز السودان خطوات متقدمة حيال عدم دعم التنظيمات المصنفة كإرهابية بجانب تعاونه مع شركاء إقليميين في مكافحة الإرهاب ، وذهب التقرير الى ابعد من ذلك حيث وصف مكافحة الإرهاب بأنها أصبحت أولوية أمنية للسودان وانه بات شريكاً متعاوناً مع الولايات المتحدة في مكافحته رغم وجوده على قائمة الدول التي تدعم الإرهاب.
وفي اطار رغبة الولايات المتحدة بتعاون السودان في مكافحة ظاهرة الإرهاب جاء اعلانها صريح بأن حكومة السودان خلال السنوات الماضية قامت بعمليات لمكافحة الإرهاب مع شركاء اقليميين شملت عمليات ضد تهديدات استهدفت مصالح وموظفين أميركيين في السودان ، كما سبق أن اعترفت الحكومة الأمريكية العام الماضي بجهود الحكومة السودانية الكبيرة في محاربة داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى ومنع حركتهم عبر السودان.
معلوم ان جهود السودان في مكافحة الإرهاب والتى اشادت بها وزارة الخارجية الأمريكية جاءت مستندة على وقائع حقيقية يقوم بها السودان من منطلقات فكرية وموروثات أخلاقية لمحاربة الظاهرة وشمل ذلك سن القوانين والتشريعات الداخلية التى تعاقب مرتكبي الظاهرة ، بجانب المصادقة على القوانين والمعاهدات الدولية ، فضلاً عن رفع مستوى التعاون بين الأجهزة الأمنية والتعاون الدولي لمجابهة خطر التنظيمات الإرهابية.
ولما كانت محاربة الإرهاب من اولويات الرئيس الامريكي دونالد ترامب كان لزاماً على وزارة الخارجية الأمريكية والاجهزة الأمنية بإدارته وضع جهود السودان موضع الاهتمام نظراً لدوره المحوري في المنطقة ، بجانب ان الولايات المتحدة لا يمكنها تحقيق مصالحها النفطية وممرات المرور الدولية في البحر الأحمر الا اذا قام السودان بأدوار أمنية في المنطقة لمحاربة الجماعات الإرهابية.
تشير وقائع الأحداث الى تخطي السودان لمرحلة (التبرئة) من الإرهاب الى مرحلة الإستفادة من مقدراته وإمكانياته لمواجهة الظواهر التى تهدد الأمن الإقليمي والدولى وكثير من الإشارات سبقت تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بداءً بدعوة الولايات المتحدة رسمياً المسؤولين السودانيين للمشاركة في الإجتماع الوزاري السادس للآلية الأفريقية المشتركة للتنسيق للقضاء على جيش الرب بحضور عدد من وزراء الدفاع في دول المنطقة ، وعقب ذلك طلبت الولايات المتحدة من السودان المشاركة في اجتماعات الأفريكوم خلال ابريل الماضي والتى جاءت قناعة منها بدورة الأمني ومقدراته على محاربة الإرهاب في المنطقة.
ويبدو ان موقع السودان الجغرافي وادواره السياسية والأمنية التى يلعبها في المنطقة العربية والأفريقية اجبرت الولايات المتحدة على الإعتراف بأهميته ونفوذه في إطار المحافظة على السلم والأمن في القارة الأفريقية ، الأمر الذي ربما يساهم في إعادة رسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه القارة الأفريقية . حيث ظلت جهود السودان في محاربة الإرهاب موضع اشادة عبر جميع المنابر الدولية والاقليمية من خلال مساهماته في الحفاظ على أمن وإستقرار القارة في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية .
ويمكن استنتاج ان السودان حاصر الولايات المتحدة في خياراتها للتعامل معه من خلال دوره في تحقيق السلام في جنوب السودان بجانب مساهمته في حل الأزمة الليبية ، فضلاً عن مشاركته في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية لإستعادة الشرعية في اليمن ، حيث لم يبق لدي الولايات المتحدة خيار سوي الإعتراف به شريكاً في تحقيق السلام في المنطقة وجاء ذلك على لسان القائم بالأعمال الأمريكي ستيفن كوتسيس حينما اعلن ان العلاقات السودانية الأمريكية ستشهد تطوراً مهماً واشار الى عدم رغبة بلده في الرجوع إلى الوراء.
لاشك ان الخطوات التي اتخذتها الحكومة السودانية بإعلانها تجميد لجنة التفاوض مع الولايات المتحدة عقب القرار الأمريكي بتمديد رفع العقوبات الأقتصادية لثلاثة اشهر وتصريح وزارة الخارجية السودانية بأن السودان لم يعد لديه مايقدمه للولايات المتحدة اعاد الى الأذهان عدم ثقة الخرطوم في مواقف واشنطن ، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة الى الإشادة بالسودان من خلال تقريرها السنوي حول مكافحة الإرهاب وهي الخطوة التى اعتبرها الخبراء محاولة لكسب وُد الخرطوم لمكافحة الظاهرة.
صحيفة الصحافة
رانيا الأمين