وهكذا يواصل الطلاب المتمردون التابعون للجبهة الثورية في جامعة بخت الرضا نهج أمثالهم في الجامعات السودانية الأخرى التي لطالما عانت من وجودهم المدمر فيقتلون اثنين من رجال شرطة الدويم ثم يحرقون كلية التربية ويخربون الأثاث ويفعلون بالجامعة الأفاعيل ثم عندما يحاكمون بالقانون وتُعمل إدارة الجامعة لوائحها يثورون ويثيرون الاضطراب والبلبلة ويملؤون الدنيا ضجيجا وزعيقا ويقيمون الدنيا ويقعدونها صخباً وهرجاً ومرجاً فهؤلاء وسادتهم وقادتهم من لوردات الحرب يعتبرون أنفسهم للأسف الشديد فوق القانون وفوق الدستور .
والله أن أكثر ما يؤلمني ويملأني حسرة ويزيدني اقتناعاً أننا لسنا مؤهلين للديمقراطية أن تنبري بعض أحزاب المعارضة خاصة العلمانية واليسارية لتؤيد هؤلاء المتمردين وإذا كانت بعض تلك الأحزاب قد مردت ، منذ مولدها ، على تلك الأفعال المشينة التي لا تعرف غيرها فإن مما يفري الكبد أن تنضم أحزاب محترمة مثل حزب الأمة القومي إلى (جوقة) الصغار الذين لن يترددوا في معارضة ظلهم إذا لم يجدوا ما يعارضون بالرغم من أنني أكاد أجزم أن تلك الأحزاب ، لو كانت على رأس الحكومة ، لاستنكرت ما يقوم به أولئك الطلاب المتمردون ولردعتهم بالقانون وبغيره لكن ماذا نفعل مع السياسة عندما تتجرد من الأخلاق ؟!
صدق الغربيون الذين أبدعوا مقولة (إن السياسة لعبة قذرة (Politics is a dirty game)،لكني أقولها بملء فيّ إن السياسة في بلادنا أقذر بكثير من تلك التي يمارسها الغرب سيما وأن ما نمارسه ليس سياسة إنما (دافوري) يأكل القوي فيه الضعيف ويستخدم فيه كل أسلحة الدمار الشامل، وهل أدل على ذلك من وجود أكثر من 100 حزب وحركة بينما يوجد في أمريكا مثلا ، والتي يبلغ عدد سكانها (315) مليون نسمة ، حزبان كبيران رغم أن عدد سكان السودان يقلون عن عشر سكان أمريكا؟.
كتبت من قبل أن أحد كبار الأطباء المغتربين ألحق ابنه المتميز بجامعة خاصة تاركاً (الجميلة ومستحيلة) التي ما عادت كذلك بعد أن أحالها طلاب الجبهة الثورية إلى مسخ مشوه وساحة للقتال مما جعل الطلاب يضيعون وقتاً طويلا ، ربما سنوات ، من أعمارهم بسبب هؤلاء الشياطين الذين أبتلي بهم السودان فقد قال ذلك الطبيب الكبير إنه ليس مستعداً لأن يرهن تخريج ابنه لإرادة حفنة من الطلاب المتمردين الذين عجزت الدولة عن حسمهم بالرغم من إلحاقها الهزائم الساحقة الماحقة بكبارهم في ميادين القتال في دارفور .
إنه لمن المضحك المبكي أن يطالب طلاب الحركات المتمردة بالمستحيل ويشترطون إعادة الطلاب المفصولين الذين أدينوا بالجرم المشهود بعد أن قتلوا وأحرقوا وأحدثوا في الجامعة ما لا يمكن أن يمر بدون عقاب.
لن أخاطب هؤلاء وكبيرهم الرويبضة عبدالواحد محمد نور الذي ألف (قرآناً دارفورياً!) نصّب به نفسه رسولاً ولكن ماذا أقول عن كبار ساستنا الذين يسيؤون إلى أنفسهم وتاريخهم بمثل هذه المواقف الصبيانية التي لا تشبههم؟.
هل يسعى هؤلاء بإلهابهم وتسميمهم الأجواء إلى تشويه صورة البلاد حتى يستمر فرض العقوبات الأمريكية التي يعلمون أنها تزيد من معاناة شعبهم الصابر المحتسب قبل أن تؤثر على الحكومة التي يبغضون أم يظنون أن ذلك يسقط الحكومة؟.
ما يؤلم أن الأحزاب التي احتشدت خلف الطلاب المتمردين ساندت كل مطالبهم المستحيلة بما فيها استخدامهم فرية (العنصرية) التي أطلقوها على إدارة الجامعة بالرغم من أن هناك أساتذة دارفوريين من بين أعضاء هيئة التدريس بل في إدارة الجامعة وبالرغم من أن والي الولاية التي تحتضن الجامعة من أبناء دارفور .
آخر ما تفتقت عنه (عبقرية) من يحرّكون تلك الضجة المفتعلة أن يُزوِّروا بياناً نسبوه إلى الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع بغرض إحداث فتنة قالوا فيه أن الدعم السريع يدين الممارسات العنصرية لإدارة الجامعة ولكن خاب فألهم ومسعاهم فقد أجهض أسود الدعم السريع الفتنة التي أراد هؤلاء الصغار إشعالها فأصدروا بياناً تصدرته الآية القرآنية الكريمة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ )،ثم وصفوا البيان المدسوس بالجبان وقالوا إنه صادر من (الطابور الخامس والخونة والمارقين والمندسين الذين فشلوا في النزال في ساحات القتال وولوا مدبرين أمام قوات الدعم السريع التي أذاقتهم الهزائم تلو الهزائم).
إننا لنطلب من الحكومة وضع حد نهائي لتمردات تلك الفئة المارقة من الطلاب حتى تستقر الجامعات وتنتهي إلى الأبد حالة الفوضى والاضطراب التي سادت مؤسسات التعليم العالي طوال السنوات الماضية مع إلغاء النص المتعلق بالرسوم الدراسية لطلاب المعسكرات في اتفاقية أبوجا وحتى أن كان هناك سبب لمنح معاملة متميزة لطلاب المعسكرات فينبغي أن يتم ذلك بعيداً عن الجامعات بحيث تُسدّد الرسوم من قِبل مكتب دارفور أو أية آلية أخرى وتعامل الجامعات السودانية جميع الطلاب على قدم المساواة.
صحيفة الصيحة