*لا تفرز الممارسة الديمقراطية محصلة مرضي عنها،مهما أتيحت الحرية لمن يمارسونها،ذلك لأن المجتمع وأي مجتمع لا نجد فيه أن الناس جميعاً على مشربٍ واحد،فقد يفصح الفرد عن رأيٍ له وهو تحت تأثير جماعة أو فئة،أو قد ينتفي التأثير،ولكن يبقى الرأي مرهوناً بمصلحة عاجلة أو إتجاه أملته ظروف آنية.
*وبالمقابل فإن الديمقراطية،لا تعني بأن الأغلبية قد إختارت الطريق القويم.مما جعل الدول التي أتخذت النظام الديمقراطي وسيلة للحكم،تعتمد الفئة الأخرى التي لم تحصل على الأغلبية لتشكل معارضة تعصم تلك الأغلبية من الزلل وتعارضها حتى لا تنزلق نحو تحقيق أهدافها دون أن تضع إعتباراً لمصلحة المجموع.
*وغافلٌ من يظن بأنّ البلدان الديمقراطية تترك الأفراد ليدلي كل بما يرى،بحيث لا تستبين النتائج إلا بعد الممارسة،لكن مجموعات الضغط وشركات المصالح ومضاربات رؤوس الأموال لشراء أصوات النّاخبين،هى التي تحدد النتيجة بشكل مسبق،وتبقى العملية الديمقراطية عبر الإنتخابات آلية ميكانيكية ليست تلك التي تتحرك تلقائياً دون سائق،وقد يكون الذي يضطلع بإجراءات تشغيلها نزيهاً وملتزماً بالجوانب الفنية،غير أن الذي يوضع في صناديق الإقتراع لم يصنع في لحظة إلقائه في الصندوق،بل كانت هنالك جهات قد بذلت جهداً ودفعت مالاً طائلاً من أجله،لكنه يظهر هكذا للبسطاء بأنه وريقات ألقيت وفقاً لرأي مستقل وهو ليس كذلك.
*والممارسة الديمقراطية،التي تطالب بها الشعوب والمجتمعات الحرة،ليست هى ممارسة الفكر والمنافسة في مجاله،بل هى المصالح والمنافع وصراع الأفيال ورؤوس الأموال.
وإلا فلا نجد حزباً فقيراً أوجماعة مهما كان فكرها مبرءاً من العيوب،وهى قليلة العدد شحيحة الموارد،قادرين على الحصول على نسبة عالية من الأصوات في أي من البلدان التي تدعي الديمقراطية وحكم الشعب بالشعب وللشعب.
*إذ أن الشعار عند البحث في مضامينه ومغازيه،لوجدنا بأنه شعار خادع،ذلك لأن الشعب لا يحكم وإنما يتحكم فيه أصحاب أموال ومؤسسات وزعماء أحزاب،إلتقت أهدافهم،وترابطت مصالحهم فساقوا من إنحاز إليهم بأساليب هى أقرب لما يسمى التنويم المغنطيسي.
*ونحن في العالم الثالث،وبالأخص في بلداننا الإسلامية،ينبغي إلا ننجر وراء عبارات رنانة بمثل «حكم الشعب للشعب وبالشعب»بسبب أن الذين صاغوا تلك العبارات كتفسير للديمقراطية،قد صمموها وفقا لطبيعة مجتمعاتهم وتاريخهم السياسي،أما نحن فلنا تاريخ ومسيرة،في مجال السياسة الشرعية،توجب ممارسة حرية الرأي،وتقديم القوي الأمين بمعايير مختلفة ليتولى كرسي القيادة والريادة،ومن يحدد ذلك هم أهل الحل والعقد،وليسوا هم من هب ودب.
*وإذا أردنا أن نؤسس لنظام ديمقراطي يقوم على رأي أهل الحل والعقد،لا أظن بأن الكل من أفراد الشعب هم كذلك،أو أن صوتهم الإنتخابي هو الذي يحدد عما إذا كانوا كذلك.
*والمخرج الوحيد لممارسة ديمقرطية حقيقية تتسق مع أعراف مجتمعاتنا الإسلامية هى المعايير التى يتم بموجبها إختيار الحاكم والتي يتوافق عليها الشعب كمقياس للقوة والأمانة.
*والقوة هنا تعني العلم والسيرة والعدل والهدى والكتاب المنير،وعندما يحدث التوافق على هذه القيم،يصبح أمرنا هيناً لإختيار من سيتولى شأن الأمة،وهو إختيار لا تحدده قصاصات أوراق تلقى في صندوق،لكنها المبادئ والقيم المستقرة في ضمير الشعب والأمة.
وتلك هى ديمقراطيتنا التي نريد وهى تختلف شكلاً ومضموناً وممارسة من ديمقراطية وستمنستر التي لا فرق بينها وبين المضاربات في أصوات البشر كما تفعل الشركات الضخمة المنتجة للسلاح والمتحكمة في بوصلة الحرب والسلام.
د.ربيع عبد العاطي عبيد – الصحافه