ربما ليست الصدفة التي جعلت الجهاز المركزي للإحصاء يعلن في تقريره انخفاض معدلات التضخم بالبلاد خلال شهر يونيو المنصرم، ليحدد نسبتها بـ(32.63) بالمقارنة مع معدلات مايو الماضي . ربما هذا ما دفع خبراء اقتصاديون لاعتبار مركزية الإحصاء جهازاً سياسياً، واصفين الأرقام التي يصدرها بغير الواقعية. يمضي آخرون للمطالبة بتوفير كوادر مؤهلة وتهيئة بيئة العمل بالجهاز يهيئ له إصدار معلومات دقيقة، لأن الأرقام الصادرة تعتمد عليها الدولة في وضع سياساتها وإجراءاتها، وأي خلل أو خطأ في تلك الأرقام، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية. أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين عصام عبد الوهاب بوب والخبير الاقتصادي كمال كرار يقرران أن نسب التضخم المعلنة من جهاز الإحصاء غير حقيقية، وأن المعادلات والأسلوب الذي تم به حساب تلك النسب ليس دقيقاً، قال بوب إن الأسعار في الأسواق ارتفعت ارتفاعاً غير مسبوق في الفترة الماضية في ظل ارتفاع أسعار الصرف، ليتجاوز سعر الدولار في السوق الموازي (22) جنيهاً، ما أدى لزيادات في أسعار السلع الأساسية بنسب تتراوح ما بين (25%-40%)، بينما ارتفعت أسعار اللحوم والخضار بنسبة (30%) . وحذر من مغبة اعتماد المسؤولين على هذه الأرقام غير الواقعية خاصة بنك السودان بحسب تعبيره، لجهة أنها الركيزة الأساسية التي يتحكم فيها الأخير بعرض وطلب النقود، وحجم الكتلة النقدية ككل، بجانب اعتماد الجهاز الاقتصادي بالبلاد في اتخاذ قراراته وصناعة سياساته على مايخرج به جهاز الإحصاء من نسب ومعدلات وأرقام . ويرى كرار أن نسبة (32.63%) لا تعد انخفاضاً بل على العكس، لأن هنالك تضاعف في نسبة التضخم بنسبة (100%) . واستند على المتوسط في معدل التضخم المعلن من قبل الدولة بنسبة (17%). و أرجع كرار التنامي والتصاعد المستمر في معدلات التضخم إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في ظل تراجع التمويل الزراعي، والاعتماد على الضرائب في إيرادات الدولة الذي نتج عنه ارتفاع مستمر في أسعار السلع بصورة عامة، بجانب زيادة طباعة العملة، وشهادات شهامة. وانتقد الطريقة التي تدار بها الميزانية، ورهن الخبير تراجع معدلات التضخم بتغير السياسات الاقتصادية الحالية. الصعود والهبوط المفاجئين والسريعين في معدلات التضخم اعتبرها الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي مجرد تذبذبات لا يؤخذ بها، وعد الإعلان عن انخفاض في التضخم محض إجراءات سياسية تقوم بها الجهات المسؤولة، و قال إن الهبوط الحقيقي تتحكم فيه ظروف اقتصادية معينه مثل لها بالارتفاع في حجم الصادر الذي يؤدي إلى زيادة حجم النقد الأجنبي، و لكن في غياب ذلك لايمكن أن يكون هناك انخفاض حقيقي في معدلات التضخم، وشكك في دقة النسب المرصودة، وأكد أنها لا تتماشى مع ما يعيشه الناس في ظل ما أسماه بالغلاء المستمر. وأردف أنه لايطمئن لتلك النسب، إلا في حال إطلاعه على المعادلات المستخدمة في رصد وحساب تلك الأرقام، وطالب بالاهتمام بجهاز الإحصاء، و مده بكوادر مؤهلة ذات مهنية عالية، إضافة إلى تهيئة بيئة العمل وتوفير الأجهزة اللازمة حتي يتسنى له بناء قاعدة بيانات يعتمد عليها، سيما أن تلك البيانات هي عصب كل السياسات والإجراءات الاقتصادية . إلا أن رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم، التيجاني أودون، فقد اعتبره مؤشراً إيجابياً، وأرجع الأمر إلى تراجع الأسعار الناتج عن ضبط بعض المضاربين بحسب تعبيره، وتابع إن ارتفاع أسعار الدولار من (21.6 -22) لم يلق بظلاله بعد على الأسعار المحلية، بجانب زيادة الكميات المعروضة منها في ظل ثبات الطلب عليها، أدى إلى تراجع حجم التضخم بصورة عامة، ولفت أودون إلى أن قرار تمديد أو تأجيل رفع العقوبات الأميريكة لم يغير شيئاً في السياسات الاقتصادية التي تعتمدها البلاد، واعتبره سبباً آخر في انخفاض التضخم .
تقرير: اسماء سليمان
اخر لحظة