* البلد مأزومة، والمجتمع هش، والناس مشحونة، والثقة فى الدولة معدومة، فكان من الطبيعي أن يحدث ما حدث فى عد حسين، ولولا لطف الله لحدث ما هو أسوأ من حرق عربتين .. كانت الأرواح ستحرق، وما حدث ما هو إلا بروفة أو سيناريو مصغر جداً لما ينتظرنا .. صدقوني لست مبالغاً، وإذا كان لديكم أدنى شك أقرأوا ما حملته الصحف والمواقع الإلكترونية من وصف الحدث :
* وصفَ مواطن بسيط الحادث كما يلي:
“عربيه مرسيدس جاريه بسرعه في الاستوب بتاع الصهريج وراها عربيه الشرطه، لما لقت الاستوب قافل وقدامها عربات كتيره ركبو في الترتوار عشان يهربو وقتلو نفرين كانوا واقفين وبعدها عربيتهم وقفت ونزلو هم جارين من العربيه، بس الناس جرو وراهم ومسكوهم وكانو سوريين، والعربيه بتاعتهم لقو فيها تلاته اطفال في عمر 6 سنه تقريبا” والعربيه مليانه سكاكين ومقصات وحاجات تانيه ..حاليا المحطه كلها مليانه ناس وشرطه واسعاف، والناس حرقو عربيه الخاطفين، ولا الحرقها شنو ما عارف، المهم اتحرقت والنار والدخان واصل السماء”!!
ويقول محمد العربي (من حزب المؤتمر السودانى)، التى شاءت الصدفة أن تجعل منه شاهد عيان:
“قبل ساعة قررت احتساء القهوة بالحى بدلا من النادى، يبدو أنه كان مقدرا لى معايشة حكاية الاختطاف وملاحظة أثرها على المواطن بالعين، حى عد حسين من الأحياء الهادئة عموما جنوب الخرطوم، الصهريج المحطة الأشهر بالمنطقة سوق صغير ومتنفس للحى حيث (الجنبات) واندية المشاهدة والمطاعم. أثناء تصفح الفيس بوك انتبهت لحركة غير عادية إذ بدأ الناس بالهرولة فى اتجاه الجنوب، ظننت لوهلة أن حادثة سير قد وقعت، غير أن الهرولة غير الطبيعية أثارت فضولى وسألت أحد المهرولين فى شنو، فقال لى قبضو خاطفين اطفال، تركت كل شي وهرولت مع المهرولين وجدت كومة ناس حوالى 600 شخص ملتفين حول عربة بوكس دبل كاب منزوعة اللوحة الخلفية، وللامانة لم أتمكن من الوصول إلى اللوحة الأمامية، المكان كان مظلما نسبيا ولكن الإضاءة كانت كافية لاتبين رجل اربعينى سوداني الملامح فى المقعد المجاور للسائق، وأشياء لم استطيع تمييزها فى المقعد الخلفى، كان هناك حوالى 400 آخرين حول العربة بالهواتف النقالة يقومون بالتصوير سألت أحدهم عن الحاصل، قال لى انهم خاطفين اطفال وخطفوا ثلاثة شفع. لم أر أى طفل أو أشخاص آخرين بالعربة. أخرجت هاتفى وبدأت التصوير المباشر، كل الموجودين كانوا مصابين بالهستريا والبعض يحاول قلب البوكس فيما تولى كثيرون مهمة تهشيم الزجاج و الهتاف. كان بجانبي رجل شرطة سمعته يتحدث إلى شخص يناديه جنابو ويطلب منه تحريك عربة من القسم”.
“أوقفت تصوير الفيديو وبدأت أسأل والكل يتحدث بيقين عن أن هذه العربة خطفت ثلاث اطفال وتمت مطاردتها بواسطة 2 مواتر. انسحبت إلى الوراء قليلا إذ كنت قلقا على سلامة الراكب الشخصية، وكان هو هادئا لا أعرف ما إذا كانت شجاعة منه أم الاستسلام للقدر. بعد نصف ساعة حضرت سيارات الشرطة تسبقها النغمة المميزة للنجدة وكانت أكثر من 5 عربات، لم أكن قريبا من العربة لحظة حضور الشرطة ولم أسمع أو أر اى مظاهر لفض التجمع الكبير، ولم تطلب الشرطة عبر مكبر الصوت اى شي من الجمهور. انصرفت عربات الشرطة حاملة بعض الناس وتركت خلفها العربة البوكس لقمة سائغة لجمهور غاضب أهدى الاسافير الصور المنتشرة للعربة المحترقة. رأيت نيران مشتعلة فى عربة أخرى على بعد 1000 متر من الأولى، قيل لى أنها عربة كوريلا كان يقودها اجنبي ومعه اجنبيان ولكنى لم اقترب منها”
* هذا ما جاء على لسان شاهدى عيان، يبدو أن احدهما (ما شافش حاجة) ونقل عن شهود آخرين (ما شفوش حاجة)، وهنالك مئات الروايات الأخرى، ولكن ليس هذا هو المُهم، ولكن أن ما حدث وما سبقه من شائعات وتداعياتها وردود الافعال تجاهها، يدل على ان المجتمع صار فى غاية الهشاشة، وان النفوس مشحونة إلى آخرها، والناس فقدت الثقة بالكامل فى الدولة وأجهزتها .. فكان من الطبيعى ان يحدث ما حدث، وما هو إلا سيناريو مصغر جدا لما هو آت !!.
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة