صديق حسن الترابي يكتب عن الشهيدة أدبية فاروق

*بسم الله الرحمن الرحيم
“وبشر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون”.
وقد كان مصابه صلي الله عليه وسلم في ولده عظيما. قال فيه الدعاء المشهور “ان العين لتدمع والقلب ليحزن..حتي قال “ولكننا لانقول الامايرضي الله”. وذلك في قبول قضاء الله وقدره والرضا بحكمه بالطبع.

فمصابنا في الشهيدة الاشهر في واقع بلادنا اليوم أديبة فاروق يوسف فضل المرجي لكبير. ونقول فيه مايرضي الله. ويُرجع شأن عباده الصالحين، ذويها المباشرين ونحن بعدهم في الرحم، الي الله تعالي في شأنهم الخاص والعام.

هذه السيدة الفقيدة الشهيدة هي حفيدة الناظر فضل المرجي ناظر الكواهلة الوسطي في النظارات الشرقية والوسطي والغربية والجنوبية. وزوجها اخينا الكريم الاستاذ الأمام عبدالباقي النعمة. وحاضرتهم، البلد، دوبا بشرق سنار. سيدة عرفت بالتقي والورع والحفاظ علي اولادها وحسن تربيتهم وتنشئتهم. حتي تخرج كبارها من الجامعات. وحسن سير صغارها في التعليم. وتسكن اسرتها ابو ادم. ضاحية سودانية وطنية هادئة وادعة. كان يطمئن فيها رب الاسرة، وأن بٓعُد، ان اسرته بخير وعافية وفي مأمن.
حتي خرجت الشهيدة لجلب مجرد رغيف من مخبز الحي القريب. فخرجت عليها من مبني لايسكنه اهل الحي ايادي الغرباء فقتلتها والقت بجثمانها في النيل الابيض. في برود المجرمين وخفة الوحوش وبأستغلال لغفلة الابرياء.

وظلت اسرتها الكريمة واهلها القبيلة ومجتمع الخرطوم والسودان يعيشون في غموض وتساؤلات. حتي افلح الضغط الطبيعي والغضب من المواقف التي لايحركها الا الغضب والمرارة الي تحرك رسمي اكبر واستجابة قيادية معقول حدها الي العثور علي الجثمان ثم الربط بينه والجريمة بكلاب الشرطة ذات التدريب واكمال الفصل الاول من الحزن الكبير بتأكيد الهوية بفحص احيائي للحمض النووي. ثم دفن الجثمان وتقبل العزاء محل المواساة والسؤال.

رحم الله رحمة واسعة اختنا الكريمة التي ماالتقيناها الا بعد وفاتها سيرة حميدة وبقية اسرة عظيمة. واسكنها فسيح الجنان. كاتباً لها الشهادة التامة. فالدم في المبني المهجور شاهد والغرق شاهد ومرارة حرائر الحي تشهد ونحن شهود. ويالأم رؤوم ذهبت تفدي صغارها بجلب رغيف الخبز خوفا من مخاطر الخروج والطريق عليهم. حدثتهم بذلك. ثم ذهبت فداءاً لهم. فهي ان شاء الله شهيدة. وفدائية.

وتخرج علينا كلامات لاتفوت اللغة الدفاعية والاستعراض بالابجديات وبمقدرات صنعناها نحن الشعب. فالثروات ثرواتنا والمقدرات مقدراتنا وكل مواطن او مسؤول منا وفينا ولنا. نعين طالب العون ونقيل عثرة المتعثر ونقول الحق لمن لم ينتبه.
الحق ان اهمالاً بالغاً شاب ، وهو ماثل يشوب الان بينما اكتب وتقرأون، امن ولاية الخرطوم. والمسؤولية فيه يمكن حسابها وتوقيعها. ولكنها اوقع واعظم واثقل عندنا ،والاضبط بيوم الدين، علي المسؤلين الذين انالهم الله السلطة منا وهو سائلهم عما فعلوا بأمانتهم.

الخطر الامني، وامن الجمهور اعني لاغيره واحسب ان له القيمة الاكبر، ماثل في وجود اراضي عديدة ،في اطراف ووسط الاحياء، غير مشيدة. وبنايات تحت الانشاء غير مكتملة. وبنايات مكتملة غير مأهولة. ويسكن كل هذا قاطنين ليسوا من اهل الحي. ولايسكنون بقانون اسمه “قانون الخفر”. يفرض فقط شخص واحد بلا اسرة وبلا “اقرباء” عديدين يسكنون معه. شخص بجنسية سودانية، يحمل مايثبت شخصيته، لايأت به المالك او المقاول علي هواه، خفير توافق عليه اللجنة الشعبية وتسجله الشرطة المحلية وتنشيء له سجلا جنائياً (فيش). خفير يفحص دوريا: طبيا وامنيا ومن المجتمع المحلي.

فقد اهملنا جميعاً. حتي صارت العشوائيات ليست في الكرتون القديم في عقد الثمانينات واول التسعينات.بل في “العمارات” في مختلف الاحياء. مئات والاف يخرجون للمهن الليلية كصناعة المشروبات للمتعطلين والجالسين علي اطراف شارع النيل وغيره: هل فكر مسؤول ام سأل وعرف من اين يخرجون عصراً والي اي بنايات يعودون فجراً؟ وكم يبلغ حجم اقتصادهم؟ والي اي حد هم مستعدون للدفاع عنه؟ وهل الاوفق “كشهم” ام ضبط المساكن فيأمنوا هم في مسارات اكثر كرامة ونواحي اكثر وعدا ومناسبة لهم ويأمن سكان ابو ادم وحي الشاطيء والمنشية وغيرها؟

هل ينسي صاحب الامانة فنذكره ان منع الحريق ايسر وافضل واقل رهقاً من اطفائه بعدما يشتعل. في خرطوم لايُعلم عدد ملايينها وتضيق خدماتها بنزوح يومي ولجوء اقليمي وفوارق اجتماعية ونسب معروفة لشواذ قطعا سيرتكبون جريمة اكبر بعد “المخالفات” الاصغر.

اما وقد سبق البعض واعطوا الانطباع الاكيد بأن الوسائط كاذبة فالقول السديد ان الوسائط تنقل. وعلي المنقول اليه الاحتراز وتحكيم العقل. الا فاحتاطوا في احيائكم ولجانكم الشعبية وقلبوا اموركم ولاتتلاعبوا في امن اسركم. ويتيح القانون لكم الخيار وانتم الجماعة الغالبة ان تطالبوا بضبط الحي من حولكم. فأن أمنّا في مسكننا واطمئننا علي اسرنا من خلفنا، تفرغنا لكل عمل ومنشط بعد ذلك.

الا كرر الله رحماته علي الشهيدة واهلها. وابدلها جنات واثبت لها اجر من يؤدي ظلمها لعدل وفقدها لحفظ وروعها وروع اهلها لمأمن من بعدها. فدتنا بحالها هذه او ذكرتنا. فلروحها ازكي تحية ولآلها اكبر دعوة بعزاء الرحمن وسلوان المسلمين.
وانا لله وانا اليه راجعون.

بقلم
الصدّيق حسن التُرابي

Exit mobile version