فنون الإلهاء..!!
:: (كرة القدم ليست مهمة جدًا، نحن لا ننقذ أرواح الناس، فقط وظيفتنا جعل الناس ينسون مشكلاتهم لمدة 90 دقيقة)، المدرب الألماني يورغن كلوب متحدثاً عن كره القدم وجدواها في حياة الشعوب والأوطان.. ولو أن كرة القدم وسيلة إيجابية لتناسي الشعوب مشكلاتهم وأزماتهم لمدة (90 دقيقة)، فإن لهذه الحكومة – ومجتمعها – وسائل سالبة وفاعلة تجعل الناس في بلادنا ينسون مشكلاتهم (مدى الحياة).. أي ما من أزمة تؤرق مضاجع الوطن وتطحن حياة المواطن، وإلا كانت لها وسيلة مضادة للتفكير في هذه الأزمة..!!
:: وعلى سبيل المثال، فإن سعر الدولار يتصاعد – من فوق أشلاء الجنيه – السوداني (يومياً)، ولكن تجتهد جهة ما – مسؤولة أو غير مسؤولة – في صرف عقول وأنظار الناس عن هذا التصاعد المؤلم، بحيث تشغلها بوسيلة (كليتي سرقوها، مرارتي نشلوها)، وغيرها من فنون الإلهاء.. وليس في الإلهاء عجب، وقديما حلل نعوم تشومكي ما يحدث حالياً بالنص القائل: (حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيداً عن المشكلات الحقيقية، والهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها، أبقُوا الجمهور مشغولا، دون أن يكون لديه أي وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى).. !!
:: (كليتي نشلوها، كبدتي خطفوها)، من فنون الإلهاء الشعبية.. وهذا الفن لم يعد يشغلنا عن مخاطر تصاعد الدولار في قوت المواطن فحسب، ولا عن تداعيات تعنت ترامب عن رفع الحظر الاقتصادي فحسب، بل شغلنا حتى عن متابعة حالات الإسهالات المائية ومدى تمددها أو تقزمها.. كان الرصد دقيقاً ومحكماً قبل أسابيع، ثم – فجأة – لم يعد لهذا الداء أثراً في وسائل الإعلام والتواصل.. ليس لخلو البلاد منه، ولكن بفضل فن الإلهاء الشعبي، ويبدو أن السادة بوزارة الصحة أسعد الناس حالاً وأكثرهم استمتاعاً وطرباً بهذا الفن.. !!
:: ومجلس الوزراء يصدر قرارًا برفع سن المعاش للعاملين بالشركات الحُكُومية إلى (٦٥عاماً).. ولولا فن الإلهاء الطروب الذي يشغل الناس حالياً، لتساءلت: بغض النظر عن هذا الرفع، كم هي عدد الشركات الحكومية؟ وهل هي شركات استراتيجية كـ(سودانير) التي بلا طائرات و(سودان لاين) التي تلاشت أم هي شركات لاحتكار الأسواق ومحاصرة شركات المجتمع؟ وهل هي ذات جدوى في اقتصاد البلاد والعباد أم هي مجرد مصادر رزق لمراكز القوى النافذة؟ ولماذا لم تشملها سياسة التحرير المعلنة (شعاراً)؟ وما مصير القرارات الرئاسية التي قررت التخلص من هذه الشركات.؟؟
:: ومن المحن، صدر قرار رفع سن المعاش للعاملين بتلك الشركات بناءً على توصية لجنة تظلمات العاملين.. ولولا فن الإلهاء الذي يطرب مجالس الناس حالياً، لقلت إن هناك معايير علمية – وليس لجان تظلم – هي التي ترفع أو تخفض سن المعاش.. وعلى سبيل المعايير، كان يجب أن يُتخذ التعداد السكاني الأخير(معياراً)، فالسودان دولة شابة، وأن نسبة الشباب هي الأعلى، أكثر من (40%)، وهذا المعيار يناقض هذا القرار.. ثم كان يجب أن يتخذ هذا الوضع الاقتصادي المأزوم معياراً، فالقرار يقزم مساحة توظيف آلاف الشباب الذين يتخرجون سنوياً في الجامعات والمعاهد.. وكان يجب.. وكان يجب.. ولكن لا عليكم، افعلوا ما شئتم، فالناس والوسائل يشغلها فن الإلهاء الشعبي (كبدتي قلعوها، كليتي جازفوها).. !!
الطاهر ساتي