خرجت باكرا اليوم ، للحاق معاملة أدركها قبل مواعيد ضجر الموظفين ، وحيلهم المعقودة بين (إفطار) ومواجبة إجتماعية ، حينما وصلت منتصف الحي تذكرت أني بحاجة لغرض من (دكان) كان صاحبه يلعن الصباحات وما فيها من عالم وأشباح ، يدور في جلباب ملطخ بالزيت ، يرسل لعنة لصبي معه ويطلق نداء لاخر يتعثر في النعاس ، ليضيف ماء الي (قدر) الفول ، وهو يبرك يراجع لهب غاز يرجو به تسخين (صاج) عليه كتلة زيت تستعصم ببرودة الطقس الخريفي ، اظنه خاص بصناعة (طعمية) تقيم اود بعض العمال وتكون زادا لطلاب المدارس ، حينما طلبت غرضي زجرني يطلب إبتعادي لانه لم يفك رتاج متجره بعده ، رايته يدور يبحث عن فرشاة اسنان انتزعها من براثن حائط برزت من حواف طوب سيئ الرص ، سمعته يسب شخصا اسمه (قدورة) أضاع صباع المعجون ولم يتوقف فالتقم الفرشاة يميط بها اذي اسنانه وابخرة الصحيان عن فاهه ، التقطت عيناي اثناء هذا سيدة اظنها تصنع (الشاي) بالجوار ، كانت اشد عزما من جارها الضجر ، لمع الجمر تحت (كافتيرة) المنيوم جلية البياض وتراصت اكواب الشاي تزهو ببعض مطالع اوراق النعنعاع ، جلست كما المهابة ، ثوبها يعلي حشمة النبيلات ، عليها بسمة يقين ورضا جملت تقاطيعها السمراء ، حفزني منظرها عزمت علي ان اكون اول (مستفتح) ببركة عزمها ، وصلتها القيت تحية نيرة النبرات والحماسة ؛ لحظتها جعلت التحية لجمع اذ كان بجانب طرف ثوبها طفل وطفلة ، مثل عصفورين تحت جناح طائر ، الطفل في سن ما يقاس تقديرا بالعام الثاني من مدرس اساس والطفلة في سن الرياض ، ارتدي كليهما (ينفورم) مرحلته ، الام ، تلثم الطفلة وتصلح ياقة الصغير ، تخرج منديلا ترد بعض غبار عن حذاء تعفر بالتراب ، بحرص كأنها تزيل اذي عن سطح كبدها ! وليس طرف حذاء صغير ، تنحني فتحكم حزم رباط نافر عند سطح قدم الطفلة وتصعد الي راسها توزن ميل (عقدة) في اخر ضفيرتها ، رغبت بالانسحاب ثم شجعتني كلمة (تفضل) اخترت كرسيا قبالتها ، احمر بلاستيكي ، به بغض غبار فهبت تطلب له مسحا فرجتوها ان تجلس ، وحولت راحت كفي لممسحة خدمة لنفسي وجلست ، غمزت للصغير (كيفك) بحلق نحوي بحذر ثم اهملني ، قلت للصغيرة (ازيك) ردت بصوت ضئيل لم ادركه لكنها كانت اكثر ودا من اخيها ، قالت امهما وهي تجري بالسكر والهبهان والقرفة وضوع البخار يجمل خياشيم الهواء وانفاس السابلة الذي قوي طرق ارجلهم قالت انها تصحب الطفلين الي هنا لان هذه نقطة التقاطهما بالترحيل ، قالت انهما يدرسان في مدرسة خاصة ، نبهتني انها طلبت لهما مدرسة مميزة باهظة التكاليف لانها تريد لصغيريها مستقبلا آمنا ، تحادثني وهي تجزل التنويهات لهما بعدم الجري وتجنب المشاجرات ، وعدم الاكل الا ما اعدت لهما ، اثناء هذا وصل (الترحيل) نهضت تسوقهما حتي استلمتهما مشرفة صافحت الام بود نسائي ظاهر وان خلا من القبل ، انصرفت المركبة والام تلوح للصغيريين ، ترفع يد وتعيد بالاخري انتظام الثوب حتي عادت لمجلسها ، تسرح لحيظات ، وتشاغل نفسها مرات برد التحايا من سكان المنطقة ، من يخرج راجلا او يقطع الطريق بمركبة ، الكل كأنما جعلها مهوي حجر مقدس يرجو منها نوال التبريكات وربما مغفرة فجور الظروف ، عدت للثرثرة معها فقالت انها تنتظر عودة صغارها في ذات النقطة منتصف النهار حيث ينتهي يوم عملها الحلال ، كنت قد انهيت شراب كوبي ؛ استأذنت بالانصراف وسألتها الحساب فعرفته فنقدتها عشرة جنيهات مع ايماءة مني بان الباقي لها فقالت بحزم الله يكرمك لكن ثمن الكوب (كذا) وردت لي الباقي عدا غير منقوص ، بارك الله هذه السيدة و(الام) المثال ، هذه سيدة بفوج رجال والله.
بقلم
محمد حامد جمعة