ينبغي أن يكون مضمون الخطاب الإسلامي مبنياً على التأصيل المنهجي المعتبر لدى أهل العلم، والعرض ينبغي أن يكون بأساليب تناسب الأشخاص والأحوال، فلا يُغني كون الفكرة حقاً وخيراً عن ضرورة مراعاة جماليات عرضها وطرحها، وإلا، فكم من حق ضيعه أهله بسوء عرضه، وكم من خير لم يلق مجيباً بقبح الدعوة إليه.
والأمر في هذا يتلخص فيما قال الحكماء:«من حسن القيام مراعاة المقام»، ومن هنا لابد للخطاب الإسلامي من أن يكون متنوعاً: يروي ظمأ أهل الوجدان، ويشفي غل أرباب العقل، ويستوعب طاقة أهل الرياضة.
كما يجب أن يخاطب الروح والعقل والجوارح جميعاً.. بالتركيز على إظهار القيم الجمالية في الإسلام وربطها بالعقيدة، وتبيان مظاهر الجمال والزينة في كل أرجاء الكون.. من سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وحيوانات ذات جمال، ونباتات ذات بهجة، إذ أن خالق الكون جميل يحب الجمال.. خلق فأحسن، وصوّر فأبدع وقدّر فهدى.
حيوية الخطاب
الثابت والمتغير: خطاب المرونة
يمكننا أن نرد مكونات الخطاب الإسلامي إلى نوعين:
المكون الشرعي: وهو ما جاء به الوحي الإلهي من قرآن وسنة نبوية صحيحة.. وهو أصل الخطاب الإسلامي، ومنطلقه ومرجعيته الثابتة الدائمة، لكونه صادراً عن الله سبحانه وتعالى الذي أبدع الوجود كله.
والمكون البشري قد أكسبه مصدره الرباني خصائص الربانية والشمول والثبات والتوازن والمرونة والصلاحية لكل زمان ومكان، فباستطاعتنا أن نكتشف بمعاييره كل خلل واضطراب في واقع الحياة القائم.
وإذا كان الخطاب الإنساني – بوجه عام- عرضة للتطوير والتبديل، فإن لخطابنا الإسلامي سمة خاصة، فهو لا يتغير ولا يتبدل في جوهره، أي في ثوابته الأساسية المرتكزة على مكونه الشرعي مهما تغيرت عوارض الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، أما المكون الآخر، ففيه يكون الاجتهاد والتطوير بما يراعي المخاطبين وظروفهم العامة والخاصة زماناً ومكاناً وأحوالاً، يقول شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:« وإذا كان المحققون من أئمة الدين وفقهائه قد قرروا أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال، والفتوى تتعلق بأحكام الشرع، فإن هذا المنطق ذاته يقول: إن تغيير الدعوة – أو الخطاب- بتغير الزمان والمكان والعرف والحال أحق وأولى.
المبدئي والمرحلي : خطاب الحكمة
على الخطاب الإسلامي أن يميز بين المبدئي والمرحلي، وهذا على مستوييه الفكري والعملي جميعاً.
وقد أدى عدم التمييز بين هذين المعنيين الحيويين إلى كثير من السلبيات التي أعاقت تطور الخطاب الإسلامي، كما أعاقت الوصول به إلى حد التطبيق الواقعي القابل حياة طبيعية مستقرة، فقد قاست « الصحوة الإسلامية» خلال عقود طويلة مما لحق «الإسلام الحركي» في نزاله السياسي مع بعض السلطات القائمة في بلاد إسلامية عدة، ولقد نالت سياسة تجفيف المنابع الدينية من مواطن التديّن في عدد من المجتمعات الإسلامية، وفتكت بأوصاله وألحقت به أوجاعاً وضربات كادت تودي به.
ولابد للخطاب الإسلامي أن يركز في سعيه إلى إبلاغ رسالة الله تعالى للعالمين على المبدئي من الثوابت والأصول التي تمثل «هوية الإسلام» والتي سبقت الإشارة إليها في تضاعيف ما سبق، وأن يضع في تصوراته «المرحليات» المرنة التي يجب أن يجتازها ويتكيف معها في جميع مستويات البلاغ وفق سنة الله تعالى في الخلق والشرع. كما يجب أن يُبتنى هذا وذاك على رؤى موضوعية ودراسات علمية.. تنظر إلى الشرع الحنيف بعين، وإلى الواقع المعيش بأخرى.
وعليه أن ينطلق من قاعدة الثبات في الأهداف، والمرونة في الوسائل.. فالأهداف ثابتة لثبات مصادرها، والوسائل مرنة لارتباطها بالزمان المتغير والبيئة المختلفة، فالأهداف الكبرى هي: إقرار الإيمان، واحترام الإنسان، وتوطيد العمران، وكل ما أدى إلى تحقيقها، وجب اتخاذه إذ تقرر وجوب ما لا يتم الواجب إلا به، وكل ما تقاصر عن توفيتها، فلا قدسية له.. بل يجب تجاوزه إلى الأصلح والأنفع.
الطيب مصطفي – الصيحة