بمجرد انتشار نبأ مقتل خليفة تنظيم “داعش” المكنى بأبو دعاء السامرائي، والملقب بأبو بكر البغدادي، سريعاً ما دب الخلاف والاقتتال بين قيادات تنظيم #داعش لشغل المنصب الجديد والذي أصبح شاغراً بعد مقتل زعيمهم.
كان أبرز تلك الخلافات انشقاق نائب والي الحويجة، أبو هيثم العبيدي، وتنصيب نفسه خليفة للتنظيم بعد تأكد خبر مقتل البغدادي، حيث انسحب مع العشرات من مؤيديه إلى الجهة الغربية من الحويجة وتحصن في إحدى القرى استعداداً لمعركة تحديد المصير مع مناوئيه من التنظيم.
المتابع لنشأة التنظيم مع ما كان يسمى “دولة العراق الإسلامية” في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2006، والذي جاء في خط تراكمي، تَمثَّل تدريجياً بإعلان أبو مصعب الزرقاوي تأسيس جماعة “التوحيد والجهاد في بلاد الرافدين” سنة 2004، ومن ثم مبايعة الزرقاوي لأسامة بن لادن ليعلن عن قيام تنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين”، يجد أن استلهام التنظيم لقوته، وفرض حضوره بين أوساط الراديكالية في العراق عقب مقتل رجله الأول الزرقاوي (الأردني) 2006، لم يكن في الدرجة الأولى مستنداً على منصب الخلافة بحد ذاته، وإنما على البنية المركزية للتنظيم وقياداته العسكرية الميدانية.
احتكار البغداديين “لمنصب الخليفة”
ويبقى منصب “الخليفة” وهوية “أمير المؤمنين”، الذي جُعل حكراً على “البغداديين” حيث مركز التنظيم في العراق، لا يتعدى كونه مهمة رمزية، كقائد ديني وسياسي، له حق الطاعة بعد اختياره من قبل مجلس الشورى وأهل الحل والعقد، فكان منهم أبو عمر البغدادي (حامد داود الزاوي) ومن بعده أبو بكر البغدادي، إبراهيم عواد البدري، كما عيَّنَ الزرقاوي بعد تشكيله ما عرف بمجلس شورى المجاهدين أبو عبد الرحمن البغدادي رئيساً له.
هامشية منصب “الخليفة” ومن يتولاه، تتجلى من خلال تعيين كل من أبو عمر البغدادي وأبو بكر البغدادي، والذي جاء وفقاً لما وصفه عناصر تنظيم الدولة المنشقين عنه بـ “الارتجالي”، ولم يكن بحسب ما روج له التنظيم للكفاءة الشرعية والخبرة القتالية.
ووفقاً لرسالة أبو سليمان العتيبي، القاضي العام “للدولة الإسلامية بالعراق”، التي وجهها لقيادة تنظيم #القاعدة في خراسان (وهو قاضي جماعة التوحيد والجهاد “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”)، أوضح فيها ارتجالية تعيين أبو عمر البغدادي “أميراً للمؤمنين”، وفق محادثة له مع أبو حمزة المهاجر، قائلاً: “من العجب العجاب هنا أن إعلان الدولة جاء بهذه العجلة ولم يحدد من هو أمير المؤمنين أصلاً، وإنما سمّاه “أبو حمزة المهاجر”، باسم مستعار وهو أبو عمر البغدادي ولم يحدد شخصه، بل قال لي بالحرف الواحد يوجد شخص سوف نختبره شهراً كاملاً فإن صلح أبقيناه أميراً للمؤمنين وإلا بحثنا عن غيره، والله على ما أقول شهيد”.
الكفاءة
أما عن كفاءة من يسمى “أمير المؤمنين” أبو عمر البغدادي، فقال العتيبي: “بالنسبة لأبو عمر البغدادي فهو لا يعرف ما يدور حوله، ويكتفي بآراء من حوله ولا يعارضهم في شيء البتة”.
من جانبه، قال أبو أحمد، من مقاتلي “خراسان والعراق والشام” في رسالة له نشرت عبر منصات القاعدة الإعلامية قام بمراجعتها والتعديل عليها كل من أبو طلحة مالك وإحسان العتيبي، بشأن مبايعة أبو عمر البغدادي: “بايع الشيخ المهاجر بطريقة عجيبة الشيخ أبو عمر البغدادي الذي لم يكن يُعْرف في التنظيم على أنه قيادي كبير أو صغير بل كان شخصاً عادياً”.
ورأى أن اختيار أبوبكر البغدادي جاء “بصورة أتعس”، قائلاً: “كان اختيار أبو بكر أسوأ من سابقه، فلا هو معلوم لنا ولا لغالب الإخوة القادة، وبسبب السرية وضعف التواصل فكل شخص يظن أن فلاناً هو من اختاره”.
أما الانتساب القرشي لإبراهيم عواد البدري، فاعتبر حيلة من قبل أعضاء مجلس شورى التنظيم، وذلك لإضفاء الصبغة الشرعية على منصب “الخليفة”.
ليس من آل البيت ولا بغدادياً
فوفقاً لتدقيق قام به “أبو أحمد”، قال: “البغدادي من قبيلة البو بدري مواليد (سامراء)”. وأضاف: “يعلم الله أني بحثت في نسبه وسألت الصالحين والصادقين وتوقفت لفترة فيه، حتى هداني الله إلى أخ مجاهد عالم بالأنساب، فأكد لي أن البو بدري والبدريين ليسوا من آل البيت، ولا من قريش فصاحبنا أبو بكر ليس ببغدادي ولا قرشي حتى”.
ولم يقتصر التشكيك في النسب القرشي لدى معاصريه، وإنما طال أيضا الكفاءة الشرعية والخبرة القتالية، فوفقاً لما أشار إليه المقاتل في جماعة خراسان “لم يحصل البغدادي على درجة الدكتوراه، كما أن رسالة الدكتوراه التي لم ينلها كانت في علم التجويد”. وأضاف القيادي المنشق عن تنظيم (داعش) قائلاً: “فهو ليس دكتور شريعة ولا بغدادياً ولا قرشياً ولا من نسب الحسن ولا الحسين، ولكن صارت القرشية “كليشيه” تنسب لأمير داعش، وليس العكس وهذا من كذب داعش”.
إلى ذلك، لم يكن أبو دعاء السامرائي (أبو بكر البغدادي)، من نصبه القائمون على مجلس شورى تنظيم داعش “خليفة”، بل مجرد حامل بريد “الدولة”، وفقاً لما كشفته مراسلات المقاتلين.
قائد التنظيم.. ساعي بريد
إذ أفادت معلومات مستقاة من تلك المراسلات أن أبوبكر البغدادي كان مجرد “مركز بريد”، حيث يأتي أحد المقاتلين ببريد ويرميه في باحة بيته، ثم يأتي مقاتل آخر ويأخذ البريد منه من دون معرفته بالطرفين”.
وكما جاء في المراسلات فإن: “مناف الراوي كان هو من ينسق البريد ويوزعه، وكان أحد بيوت البريد هو بيت إبراهيم عواد السامرائي أبو بكر، ولم يكن يعرف الطرفين المرسل والمستقبل، وعند اعتقال المراسل جاء أحد أمنيي بغداد يخبر أبو عواد السامرائي باعتقال المراسل فقال له: “إنه يعرف بيت مناف الراوي، فأخبر أحدا بذلك فرد السامرائي أنا مجرد بيت بريد ولا أعرف أحدا”.
كذلك قلل منظرو الجماعات الراديكالية من أهمية شخصية “الخليفة”، أبو دعاء السامرائي في تنظيم داعش، معتبرين أن البغدادي ما هو إلا رمز، والحلقة الأضعف في التنظيم، وعلى حد وصفهم فإن: “مقتل البغدادي لن يؤثر على نهج وقوة التنظيم، فمن السهل إحضار أي شخصية عراقية ونسبه إلى قريش، وفي الوقت الراهن لا توجد أسماء محددة لمن سيخلف البغدادي إذا قتل”.
حيلة أتت بالبغدادي
يشار إلى أن تعيين أبو عمر البغدادي جاء بعد تولي أبو حمزة المهاجر قيادة التنظيم، الذي سعى إلى إنشاء دولة أو إمارة إسلامية كمظلة لمختلف الفصائل المقاتلة بالعراق، وأُرغم خلالها الرافضون لمشروع الدولة على بيعة أبو عمر البغدادي وقد تسبب ذلك في تصفية المنشقين عنه من تنظيم القاعدة والجماعات الأخرى.
وبعد الإعلان عن مقتل أبو عمر البغدادي في 19 إبريل/نيسان2010 إلى جانب وزير حربه، أبو حمزة المهاجر، بادر حينها “تنظيم دولة العراق الإسلامية” إلى استبدال كبار قادته في إعلان بيان مجلس “شورى المجاهدين”16 مايو/أيار 2010 معتبراً “أن الكلمة قد اجتمعت على بيعة أبوبكر البغدادي الحسيني القرشي أميراً للمؤمنين “بدولة العراق الإسلامية “وكذا على تولية أبو عبد الله الحسني القرشي وزيراً أول ونائباً له، وتعيين أبو سليمان وزيراً للحرب خلفاً للمهاجر”.
وكما كان تعيين أبو عمر، جاء الأمر ذاته مع اختيار أبوبكر، بعد تفرد حجي بكر الذي تولى إدارة التنظيم عقب مقتل أبو عمر والمهاجر بالتنسيق لذلك، وبحسب ما كتبه أبو أحمد المقاتل في جماعة خراسان: “عمد حجي بكر إلى حيلة خبيثة، إذ راسل كل مسؤول على حدة، موهماً إياه أنه استشار غيره فوافق على تعيين أبو دعاء السامرائي أميراً بدل أبو عمر البغدادي، فوافق أغلب الأمراء من دون معرفة ساعي البريد، ظنا منهم أنه قديم وصاحب سبق، وظنا أن أبو دعاء شرعي قديم من أصحاب الزرقاوي، وأنه قرشي حسيني بغدادي، فوافق أغلب الأمراء الذين تم عزلهم لاحقا بطرق عدة”.
العربية نت