اختفى محمد مختار الخطيب من الإعلام، وبعد انعقاد المؤتمر العام السادس للحزب، منهم من رجح أنه يرتب بيته الداخلي ومنهم من قدَّر أن الحزب الشيوعي الذي يترأسه الخطيب، بات غائباً عن المشهد العام في السودان.
مواضيع وقضايا تظهر، لا يُسمع فيها للحزب الشيوعي صوت، مجرد بيانات متباعدة تُنشر بين فينة وأخرى في بعض الصحف. (السوداني) حاولت لملمة الأوراق المبعثرة حول السياسة والدين والحكم والمجتمع وطرْحها على الخطيب الرجل الذي يصمت كثيراً ويظهر في الإعلام قليلاً، فإلى ما ما أدلى به.
هدوء عام يحيط بالحزب الشيوعي إلا ببيانات مُتفرِّقة؟
الحزب بعد المؤتمر السادس خرج موحداً في كل خطوطه الفكرية السياسية والتنظيمية ووضع برامج وتم تكوين كل المكاتب المُساعِدة للجنة المركزية والمكاتب الأخرى، وقد انتظم العمل بشكل عام، ويتم عقد اجتماعات موسعة لكادر الحزب مع أعضاء الحزب واللجنة المركزية، لبحث العديد من القضايا ويتم تحديد الموقف السياسي ويُطرح على العضوية، وينشر في صحيفة (الميدان) ونحن متحركون بخطى ثابتة.
من الملاحظ أن الحزب غير فاعل وأنشطته مع الناس والمجتمع قليلة؟
لا أستطيع القول إن الأمور تمضي كما نود، فالصراعات التي تمت قبل المؤتمر السادس أدت دوراً في ذلك، بعض القوى التي كانت ترى أن يتحول الحزب إلى غير ماركسي ويتغير اسمه أدت دوراً في تجفيف الحزب في بعض المجالات، خاصة في وسط القوى الديمقراطية من الشباب والنساء، والآن بدأنا العمل ونتحرك نحو بناء القوى الديمقراطية حول الحزب، وقد أدى النظام دوراً في منع الحزب وكل الأحزاب في عدم ممارسة النشاط بصورة فعالة، ونحن في اتجاه واضح لنكون أوسع جبهة جماهيرية لإسقاط النظام لأنه عائق أمام أيّ تطور ديمقراطي حقيقي.
مقر الحزب الشيوعي يكاد يخلو من القادة السياسيين عكس الأحزاب الأخرى، مما يشير إلى عدم وجود حراك دائم؟
القيادات موجودة، ولنا عدد من الدور في مناطق وهناك نشاط مستمر وليس بالضرورة في هذا المقر، ومع ذلك هناك منتديات وندوات تقام في هذا المقر بل حتى قوى أخرى تعمل نشاطاتها في المقر.
إن دخلنا قليلاً في علاقة الحزب الشيوعي بالدين؛ ما هو موقف الحزب من الشريعة الإسلامية؟ هل تمت أي مراجعات حتى ولو في المصطلحات؟
لا يمكن الحديث عن شريعة إسلامية في فضاء وإنما بما هو مربوط بالواقع، القيادات الإسلامية التي تحمل الشعارات تعمل أساساً خارج الزمن والتاريخ وتعود إلى زمن الخلافة الراشدة وتطبيق نفس المنهج الذي كانت تنتهجه.
بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم الدولة التي قامت هي دولة الخلافة وكانت تلبي في ذلك الوقت احتياجات ذلك الزمان، هي دولة تلبي احتياجات المسلم في ذلك الوقت، لكن أن نستنسخ ذلك وننشئ دولة في هذا الوقت مثلما كان في السابق فالأمر يحتاج لمراجعات. متطلبات العصر الآن واستحقاقاته هي الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية والدعوة التي تقوم الآن ترفع شعارات إسلامية لكنها تعمل على أسس مصادرة الديمقراطية، نحن نعارض هذا بشكل عام، لأن الشعب يختار الأسلوب الذي يُحكم به.
لا علاقة بين دولة الخلافة التي كانت سابقاً والدولة الحالية والبعض يقول إن الحكومة تتبنى النظام الديمقراطي ولا تطبق من عصر الخلافة شيئاً؟
هذا شكل من أشكال البراغماتية وهم الآن يدعون إلى قيام إمارات لتطبيق الخلافة الإسلامية فيما بعد، لكن الحركة الإسلامية تعمل لتتماشى أساساً مع ما هو واقع في فكرها وأيدولوجيتها والاتجاه إلى إقامة دولة الحاكمية لله، أي استبداد تحت اسم الدين.
عفواً؛ حتى مصطلح “الخلافة الإسلامية” لا نسمعه الآن، كما أن أدوار الحركة الإسلامية تراجعت كثيراً بحسب المتابعين. ألا تعتبر ذلك مؤشراً بأنها دولة ديمقراطية تتبع الحكم الإسلامي في إدارتها للدولة؟
فشل النظام وما نعيشه حالياً يوضح إلى أي مدى فشلت التيارات الإسلامية والإسلام السياسي، في تطبيق حتى مشروعه الحضاري، بشكل مناسب. لكن في النهاية هو اتجاه نحو قيام نظام تحت اسم الحاكمية لله، وهي حاكمية للبشر الذين يحكمون باسم الدين، السيطرة على السلطة والثروة.
لماذا لا يكون الاعتراض على طريقة الحكم وليس على مسمى الشريعة الإسلامية أو تطبيق الأحكام الإسلامية؟
عندما نتحدث عن الديمقراطية نتحدث عن احترام التنوع السوداني بمختلف أعراقه وأديانه وثقافاته، فكيف نطبق مفاهيم تقود لجماعات محددة على الآخرين؟ الحديث ليس عن الشريعة بمعنى شريعة، الحديث في الأساس عن استغلال الدين في فرض نظام استبدادي.
*معظم السودانيين أو ما يقارب 98% منهم مسلمون، ونسبة بسيطة منهم مسيحيون، والسودان يعتبر دولة إسلامية مثل دول أخرى ويحترم الأقليات الدينية؟
ليس هناك دولة تسمى باسم الدين، إسلامية أو مسيحية. الدولة هي أداة حكم تأتي عن طريق الانتخابات، وقضايا الدين والإيمان والفكر لا تُعنى بالأقليات والأكثريات. لا يمكن فرض شكل من أشكال الدين أو فكر محدد عليه.
بالنسبة للرجوع للأحكام خاصة ما يتعلق بضبط أخلاقيات المجتمع، ألا تعتقد ضرورة وجود مرجعية دينية؟
الدين يدعو لفضائل ونحن مع هذا، والدين يدعو لقيم الصدق والعدالة، وهي قيم نسبية، ما يمكن أن يكون عادلاً في وقت ما، يكون غير عادل في مرحلة أخرى، العدالة الاجتماعية مثلاً، لا يمكن أن تتحقق إلا في النظام الاشتراكي. لا يمكن أن تتم عدالة حقيقية إلا إذا انتقلنا لأسلوب آخر غير الأسلوب الرأسمالي يتحقق فيه قدر من العدالة، ولا يمكن أن تكون هناك قيم فاضلة حقيقية إلا في ظل وجود وفرة لا تتحقق إلا في ظل نظام اشتراكي.
*لماذ يعتبر البعض أن ما تقوله هو مجرد حديث كتب، والدول لا تعمل بالنظام الذي يُطالب به الحزب الشيوعي؟
نحن نناضل في سبيل تحقيق ذلك، ولسنا وحدنا، العالم كله به أحزاب شيوعية واشتراكية وهناك شعوب مظلومة وجماهير مظلومة كلها تناضل في سبيل تحقيق هذه الاحتياجات.
حتى لو تخطَّى العالم هذا المبدأ ستكونون متمسكين به؟
العالم لم يتخطَّه، بل كل يوم يتأكد لنا أن النظام الرأسمالي هو نظام ضد الحياة، نجد الحروب ونجد التخريب في أي مكان.
*من يعمل الآن بالنظام الاشتراكي؟ أي دول هي التي تطبقه ونجحت في ذلك؟
هي تجارب في الطريق. معسكر النظام الاشتراكي السوفييتي سقط لأنه تخلى حقيقة عن الديمقراطية وتحقيق الرفاهية للجماهير، الديمقراطية هي الأساس، تصحيح هذا الوضع والتحول نحو اشتراكية حقيقية وديمقراطية أكثر من النظام الرأسمالي. الاشتراكية هي نظام أكثر تقدماً في جانب الديمقراطية وفي جانب حق الفرد، الرأسمالي يكبل الإنسان والبشرية والحاجة البشرية.
البعض يرى أن الشيوعيين أو بالأدق الحزب الشيوعي موقفه سالب تجاه الدين؛ كيف تُقيِّم هذه الرؤية؟
هذا ما يقوله أعداء الحزب، الشيوعي ليس ضد الأديان ويحترمها.
دعنا نتحدث عن الاحترام للدين الإسلامي، هل يقف في مسافة واحدة، أم له خصوصية أكبر؟
نحن حزب أساسنا ليس الدين، أساسنا مبني على الصراع الطبقي، أي أن الطبقات الكادحة المنتجة والمُستغلَّة التي تنتج فائض القيمة تعمل سوياً وتتضامن سوياً في سبيل تحقيق العيش الكريم وأن تكون الثروة مملوكة للجميع لا ننظر إلى ما هو دينكم.
ليس لديكم مواقف وآراء واضحة حول قضايا دينية؟
الدين هو في النهاية هو بين الفرد وربه، بالتالي نحن مع حرية الأديان، كل أحد يعتقد فيما يعتقد، لكن الضرورة أن لا يستغل الإنسان أخاه الإنسان.
*حزب الأمة أو المؤتمر الوطني يوضحان الآراء حول قضايا دينية تحدث في المجتمع، لماذا الحزب الشيوعي ليس لديه من يعطي الرأي في قضية دينية محددة؟
لماذا كلهم يتحدثون عن الدين والدين واحد، يتحدثون عن نفس الموضوع بشكل آخر ورؤية مختلفة عن الآخر، إذا كانت المرجعية الدينية واحدة فلماذا لم تتوحد؟ هي رؤية بشرية في الأساس، تنطلق من موقعه الطبقي، وكيف ينعكس ذلك على مصالحه، وبالتالي هو يعبر عن هذه المصالح ويصبغها بالدين وهو ما نرفضه نحن.
هل الحزب الشيوعي متساهل من النواحي الأخلاقية ويعتبر أنها حريات شخصية، ما موقف الحزب من قضايا شرب الخمر مثلاً؟
نحن مع كرامة الإنسان ونسعى في سبيلها وكل ما يهدر ويهتك نحن ضده وضد استغلال المرأة في الدعايات لأجل الترويج للبضاعة، يجب أن تُحترم المرأة وتُحترم إنسانيتها.
*إذن، أنتم مع ضبط الأخلاق وليس كما يحاول أن يروج البعض أنكم متساهلون؟
نحن مع ضبط الأخلاق وفي نفس الوقت تحقيق الظروف المادية التي تجعل هذه الأخلاق تسود، لا يمكن أن يكون هناك فرق ونحن نتحدث عن الأخلاق، بعض الحكومات تعمل على استغلال الشعوب ونهبها واستغلال مواردها، يجب أن ينتقل المجتمع لمجتمع اشتراكي تتحقق فيه القيم حقيقة.
ألا ترى أن الدين أصبح حاجزاً بين الحزب الشيوعي والمجتمع؟
حاول أعداء الحزب وضع حواجز بين الحزب والمجتمع تحت شعار الدين، واتهام الحزب بالإلحاد ولكن الجماهير في السودان بمعايشتهم مع الشيوعيين وما يفعلونه ويرون سلوكنا، أعتقد أن الأمر تغير.
لماذا لم تحاولوا تصحيح الصورة المشوهة قليلاً للمجتمع؟
نحن في برنامجنا المُعلن، القضية من الدين قضية واضحة، نحن محرومون من تبيين موقفنا في كل القضايا الاقتصادية والسياسية، ناهيك عن موقفنا من الدين، النظام الرأسمالي يعمل على وصم الشيوعيين بصفات غير موجودة فيهم.
أتتواصلون مع الأحزاب في دول بعينها؟ مع الدول العربية مثلاً؟
كل حزب شيوعي هو حزب شيوعي بالدولة التي يقوم فيها وبالتالي كل حزب له استقلاليته وفق واقعه وأسسه، كلنا نتفق حول سيادة الاشتراكية في العالم لذا نتضامن مع الأحزاب الشقيقة في كل الدول، والأحزاب الشيوعية في كل دول العالم متفاعلة حتى في السعودية وتعمل وتناضل في سبيل المجتمع.
ولكن اختفى الحزب في بعض الدول؟
ما زال موجوداً ولم يندثر، ولكن في النهاية في كل دولة هناك حزب شيوعي، هي حاجة عالمية، النظام الرأسمالي وأسلوب الإنتاج فيه ضد بقاء هذا الكون، التفريط في الموارد، الحروبات، الحل في قيام مجتمع اشتراكي، يتناغم مع البيئة.
هل الحزب يمكن أن يبدي رأيه في إنشاء نوادٍ ليلية؟
إذا فهمت سؤالك بطريقة صحيحة، فنحن ندعو للقيم الفاضلة وضد التهتك واستغلال الجسد للتكسب بشكل عام، وهذه الأشياء لا تتم بمنع، ماذا تم عندما تم قفل بيوت الدعارة ومنع النوادي الليلية؟ يجب أن نجد الحلول الصحيحة، مثل تسهيل الزواج وتوفير العمل، وتحسين الظروف المادية.
حوار: لينا يعقوب
السوداني