-أضحت معالجة إصابات الحوادث المرورية التي يتسبب بها سائقو السيارة المؤمنة عند شركات التأمين من القضايا الشائكة والمعقدة في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها البلاد,
ولأن التأمين يقوم على «جبر الضرر» بمعنى دفع التعويض بعد الخسارة, نجد المصاب واسرته يعانون الأمرين عند حدوث إصابات تستدعي الإدخال للمستشفيات خاصة الإصابات الخطرة والطارئة, فهناك من يعيش أوضاعاً ومواقف محزنة جراء عدم مقدرتهم على الإيفاء بمتطلبات العلاج الباهظة, فمنهم من باع منزله وتشردت أسرته أمام عينيه, ومنهم من أصيب بإعاقة جسيمة بدلت مسيرة حياته. فما الذي يمنع شركات التأمين من التدخل الفوري منذ لحظة وقوع الحادث والتكفل بكل نفقات العلاج حتى لا تعجز الأسر من تحمل التبعات وآثارها السالبة طالما أن السيارة مؤمنة تأمينا شاملا بالطريقة التي تراها مناسبة ؟ هناك من يرى ان قانون المرور غير رادع ولم ينجح في كبح جماح السائقين , الأمر الذي أسهم في كثرة الحوادث ؟ والعديد من التساؤلات التي حاولنا تلمسها عبر هذه المساحة.
مشاهد
تروي «س» وهي البنت الكبيرة تعول أسرتها وتعمل في الحقل الطبي مأساتها مع الإصابة, حيث أنها تعرضت لحادث مروري نتج عنه كسر في عظمة الفخذ استغرق علاجها شهوراً. والمؤسف أن السائق طبيب ولكنه رفض دفع اي مبلغ بحجة أنه مؤمن والشركة هي المسئولة عن تسديد قيمة العلاج .ولم تختلف تجربة موسى صالح و شقيقه الذي توفي نتيجة حادث مروري كثيراً, ففي الوقت الذي كان المصاب في غيبوبة كان السائق حرا وطليقا بضمانه شخصية بمبرر أن شركة التأمين ستدفع كل تكاليف العلاج لاحقاً, وعليهم التكفل بمصاريف العلاج ثم المطالبة بالتعويض. ولكن كانت إرادة الله أن يتوفى بعد مرور أسابيع مريرة على ذويه وهم يبحثون عن توفير مصروفات العلاج.
ظهور التأمين
عرف مدير الإدارة القانونية بشركة السلامة للتأمين خالد عوض عبد الله, عقد التأمين بأنه عقد يلتزم فيه المؤمن شركة التأمين نيابة عن المؤمن لهم بأن يؤدي إلى المؤمن له، أو إلى المستفيد، مبلغا من المال أو أي عوض في حالة وقوع الحادث المؤمن ضده، أو تحقيق الخطر المبين في العقد, وذلك مقابل مبلغ محدود يؤديه المؤمن له للمؤمن على وجه التبرع لمقابلة التزامات المؤمن . لافتا الى أنه لمواجهة خطر مشاكل الحوادث ظهر التأمين على السيارات بشقيه الشامل والإجباري , حيث يلتزم المؤمن في التأمين الشامل بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن الأخطار كالحريق والسرقة والتلف الذي يصيب السيارة إضافة الى التزامه بتغطية المسئولية المدنية تجاه الذين لحق بهم الضرر سواء كان في النفس أو الممتلكات .أما تأمين الطرف الثالث وهو الزامي تلتزم فيه الشركة بالتعويض عن الأضرار والخسائر المادية والجسمانية التي تصيب الغير في أنفسهم أو ممتلكاتهم ويختلف عن الشامل بانه لا يشمل إصابة أو وفاة المؤمن له أو الشخص الذي يقود السيارة . مشيرا الى أنه في حال حدوث الحوادث المرورية فانه وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية هناك بند خاص بالضمان, على الرغم من عدم توفر القصد الجنائي, ولكن يتم فتح بلاغ في شرطة المرور بغرض ضمانه. و الضمانة مربوطة بسداد قيمة مالية, لافتا الى أن الشخص المؤمن لا يدفع لأن شركة التأمين هي الضامن لذلك يطلب منه إحضار ضامن شخصي ووثيقة التأمين في محضر التحري. وبموجب شهادة التأمين يتم إطلاق سراح السائق. وقال إن تأمين الطرف الثالث يمكن أن يغطي مليارات الجنيهات. مضيفا أن قانون التعويض ينص على تعويض الخسارة فقط, ولذلك يتطلب من المصاب العلاج اولاً ومن ثم المطالبة بتكلفة العلاج فيما بعد , لافتا الى قانون القمسيون الطبي وهو المسئول عن إصدار التقارير الطبية صنف العظام الى نوعين صغيرة وكبيرة حيث يستغرق علاج العظام ما بين «4-6» أشهر لعمل التقرير الطبي والذي بموجبه يحق للشخص صرف التعويض من شركات التأمين مؤكدا أن من أكثر الأسباب التي تقود الى تراكم البلاغات بالمحاكم وبالتالي تأخير التعويضات. نافيا ان تكون شركات التأمين السبب في تأخير تعويضات المتضررين.
إشكالية قانونية
واعتبر القانوني خالد التكلفة المالية التي يصرفها ذوو المصاب للعلاج من المشاكل الكبيرة والمتشعبة. وطالب بوجود جهة ما أو صندوق لمعالجة المصابين خاصة في الحوادث الكبيرة لحين اكتمال البلاغ واخذ التعويض. وقال القانون للأسف لم يتعرض لهذه النقطة الهامة وغفل عنها , وناشد بضرورة تفعيل الصناديق الاجتماعية لمعالجة مثل هذه الحالات الملحة. لافتا الي أنه بحسب القانون فان شركات التأمين غير مخولة بالعلاج, وإنما بالتعويض بعد الخسارة, لافتاً الى وجود إشكالية قانونية تتمثل في أن الشركات لا يمكن ان تدفع للمصاب مقدما لعدم توفر آلية ضمان حق تثبت ان الشركة أوفت ما عليها من تعويض في الحادث المعني, وبالتالي خصمه من التعويض ,كما توجد بعض الحالات لا تدفع فيها الشركات للمصاب لذلك هي تدفع وفقا للقانون . مؤكدا وجود بلاغات في المحاكم لسنوات طويلة. وأرجع خالد الاستهتار وسط السائقين وكثرة الحوادث المرورية الى عدم الالتزام بالقوانين . وقال قانون المرور رادع ولكن التطبيق به إشكالية كما ان العقوبات ضعيفة وغير رادعة , فالتطبيق في الشارع من رجل المرور ومن المحاكم ضعيف وهذا ما قاد الي الاستهتار بالأرواح . مشيرا الى الفوضى والعرقلة في الشارع العام مما تسبب في الكثير من الحوادث, فضلا عن حوادث الطرق القومية وجهل المواطن بحقوقه وبالثقافة المرورية . وقال إن معظم المبالغ المالية التي يدفعها السائق كعقوبات مبالغ زهيدة تدفع من «طرف الجيب» وبالمقابل نجد أن شركات التأمين تدفع مقابلها ملايين الجنيهات, حيث بلغت قيمة المطالبات التي سددتها الشركة في الربع الأول من العام الحالي ما يقدر بـ(7) مليارات.
خطورة كبيرة
ويرى خبراء أن الحوادث المرورية تشكل خطورة كبيرة نتيجة الحوادث التي قد تتسبب في الوفاة أو الإعاقة , بالإضافة إلى الخسائر المادية للسيارة وتبعاتها من أضرار وهي تعد من الخسائر الاقتصادية للبلد . مضيفين ان الهدف الاساس للتأمين العمل على تقليل حوادث المرور ولذلك أصبح التأمين من الضروريات لكل سائق مركبة . وتتوقع آخر الدراسات العالمية ازدياد حالات الموت بسبب الحوادث بنسبة 65% بحلول العام 2020م ، وفي السودان ازدادت خلال العشر سنوات الأخيرة بنسبة بلغت 143% ومن المتوقع أن تزيد بنسبة 193% في عام 2020م إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لمكافحة هذه الآفة الخطيرة الأمر الذي يتطلب ضرورة تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية لتعزيز خطط الدولة الرامية لتحسين السلامة المرورية.
عدم احترام
مدير دائرة مرور ولاية الخرطوم اللواء شرطة صلاح الدين مهدي المكي أرجع القضية برمتها الى الثقافة المرورية وجهل مستخدمي الطريق بها . وقال في حديثه لـ»الإنتباهة» من أهم مرتكزات السلامة المرورية مستخدمي الطريق «سائقين ومشاة» إضافة الى الطريق والقانون, وهي تعد من العوامل المؤثرة سلبا وإيجابا من واقع العمل الميداني السلامة المرورية, ويمكن عبرها تحقيق السلامة المرورية المنشودة. لافتا الى أن المجتمع لا يزال تنقصه الثقافة المرورية. وقال همنا الأساس في المرحلة المقبلة الارتقاء بالوعي المروري ومحاربة السلوك الخاطئ. وحول مدى فعالية القانون في تقليل الحوادث, قال اللواء صلاح, القانون رادع ولكنه عاب عدم احترام قواعد المرور من السائقين. مشيرا الى أنه في حال توفر الوعي الثقافي والانضباط الأخلاقي, لن تكون هناك حاجة لتشديد العقوبة , لافتا الى انخفاض الحوادث بنسبة 18% في السنوات الأخيرة, وأرجع ذلك لتركيزهم على الثقافة المرورية بالشراكة مع عدد من المؤسسات ومنظمات المجتمع الوطني, اضافة الى مشاريع المراقبة الالكترونية وغرفة المراقبة بمرور ولاية الخرطوم , مؤكدا على أن الجهل بالثقافة المرورية وتردي البنى التحتية والسرعة الزائدة والوقف الخاطئ, من العوامل الرئيسة للحوادث. وقال إن الهدف الاساس للتأمين تقليل الحوادث المرورية. مضيفا بأنه أسهم في تقليل الحوادث, بجانب عوامل أخرى مثل القانون.
الانتباهة