قبيل الأزمة الخليجية قلنا هنا إن التطورات والتحولات الجارية في العالم والمنطقة، تسير بلا أدنى شك، إلى بروز تحالفات جديدة واصطفافات تفرز واقعاً مختلفاً في المنطقة العربية،
ويبدو أن المواجهة ستكون بين تيارين أساسيين في العالم العربي هما النظام الرسمي التقليدي المتوجس خيفة من القوى الحديثة وخاصة الإسلامية، والتيار الإسلامي الذي قاد الربيع العربي قبل الارتدادات العكسية عليه في دول عربية، ومازالت نسخ منه موجودة وفاعلة في أنظمة حكم عربية قائمة.
> وستكون معركة التيارين حاسمة هذه المرة وعنيفة الى أقصى درجات التعسف والعنف، وما أزمة الخليج الا مقدمة لصورتها المكبرة في منحاها السياسي والاعلامي والدبلوماسي، ولا يمكن أن تفصل مشكلة قطر مع جاراتها الخليجيات ومصر عما يجري في المنطقة ويرتب لها، فإعادة تركيب المنطقة من جديد وقولبة مواعينها السياسية ورسم حدودها وتواصلها ومفاعلاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يعيد إلى الاذهان الكتَاب المهم الذي كتبه الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز عام ١٩٩٢ بعنوان (الشرق الأوسط الجديد)، وكان مقدمة تحمل الرؤية الاستراتيجية للحركة الصهيونية والدوائر الغربية المتحالفة معها للمنطقة العربية بثرواتها وممراتها المائية الدولية وما تمثله من قوى حضارية حية تهدد المشروع الصهيوني وسيطرته على القرار الدولي.
> وكون الأذهان تعاد بهذا الوضوح الى المخطط الذي عبر عنه بيريز في كتابه، وتحت هدير الصواريخ والمدافع وأزيز الطائرات التي تحوم الآن وتقصف فوق سوريا والعراق وليبيا واليمن، والحرب الكلامية التي ملأت كل فضاء بين دول الحصار وقطر والتهديدات بإخراج الأخيرة من جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي او اجتياحها عسكرياً كما تهدد وتلوح دول الحصار، كل هذا يحدث في سياق واحد أن المعركة ستكون حامية الوطيس بين التيار التقليدي المنحاز لدوائر غربية وتشجعه الصهيونية العالمية، والتيار الإسلامي الذي بقي كالمارد وحده في الساحة بعد انسحاب واختفاء وانهيار التيار القومي العروبي بعد تدمير العراق واشتعال سوريا وطمر ليبيا تحت رماد الحرب الداخلية.
> يظن التيار التقليدي في النظام الرسمي العربي أن هناك عقبات كأداء تقف أمامه منها الدور التنويري الإعلامي البارز لقناة (الجزيرة) والاعتقاد ان وراءها مشروعاً سياسياً مناوئاً تمثل قطر احدى اهم حلقاته في المنطقة ويتغذى هذا المشروع السياسي من المال القطري، وهنا تبرز حقيقة الكيل بعدة مكاييل في الأزمة الخليجية، فتهمة أن الإخوان المسلمين هم جماعات إرهابية ومنظمات سياسية محظورة تُمارس العنف والإرهاب والقتل ويجب التصدي لها، فإن التهمة الموجهة لقطر بالضرورة لو كانت صحيحة لتم توجيهها للحكومة في المملكة المغربية التي تقود حكومتها طليعة متقدمة من حزب فاز في الانتخابات بالخطاب الإسلامي، وتوجد حركة النهضة في تونس وهي شريك قوي وفاعل في الحكومة التونسية، ويوجد نواب في البرلمان الكويتي ينتمون للإخوان المسلمين، وفِي الأردن كذلك وفِي البحرين كما أن السعودية نفسها والإمارات توجد بها تيارات إسلامية ودعاة خرجوا من رحم حركة الإخوان المسلمين، كما أن اليمن التي تقاتل فيها المملكة العربية السعودية والبحرين وتسعى لإعادة الشرعية وقهر الحوثيين فإن العدو الأول للحوثيين في اليمن هم الإخوان المسلمون اليمنيون.
> وما لا يفهم الآن في قضية الصراع المذهبي أو الفتنة ما بين سنة وشيعة، ان ما تبديه دول المحاصرة والمقاطعة لقطر، وهي تعلن أن من أسباب مقاطعتها لقطر العلاقة بين الدوحة والإخوان المسلمين، ان هذه الحركة المتجذرة في العالم الاسلامي هي أكبر وأقوى حركة سنية في العالم، وتمثل الحصن الحصين من أية اختراقات فكرية ومذهبية وحضارية.
ما نعيشه اليوم وعلى خلفية تبدل المواقف والتحالفات، ينبئ بأن العالم العربي والإسلامي مقبل على صورة جديدة من صور الصراع والتدافعات الحادة، وليته كان من تدبير وتخطيط داخلي، فللأسف تصدر إلينا من الخارج حتى خلافاتنا!!
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة