الإنقاذ.. ارتباط الرضا بالاقتصاد والمعيشة
ثمانية وعشرون عاماً مضت منذ التغيير الذي تم في يونيو 1989، تراوح مستوى القبول العام عن هذا التغيير ما بين الرضا التام الى الرفض المطلق. أغلب الظن أن هذا التذبذب الهائل في القبول مرتبط بالناحية الاقتصادية ومعاش الناس.
الحقائق الاقتصادية المجردة تقول أن حجم الاقتصاد السوداني المعبر عنه بمؤشر الناتج المحلي الإجمالي قد تضاعف لأكثر من 10 مرات حيث كان الناتج المحلي الإجمالي في العام 1989 مبلغ 10 مليار دولار وهو الآن 94 مليار دولار حسب إحصاءات البنك الدولي وكتاب (حقائق) السي آي أيه.
الطرق المرصوفة انتقلت من 300 كيلومتر الى أكثر من ألفي كيلو متر، الجسور على الأنهر من 3 الى 12، الطاقة الكهربائية المنتجة من 400 ميجا وات الى أكثر من 4000 ميجاوات، الجامعات من 3 الى 30 جامعة. الباحث يجد أرقاماً مشابهة وتطوراً كبيراً في مختلف القطاعات. وبرغم كل هذا فإن معايير الرضا والقبول مختلفة.
الفترة التي سبقت العام 1989 شهدت أوضاعاً اقتصادية مزرية للغاية بسبب الجفاف والتصحر، والسيول والأمطار المدمرة التي اجتاحت البلاد في العام 1988 فدمرت البنية التحتية الأساسية خصوصاً في قطاعي التعليم والصحة. التحسن النسبي في أوضاع الاقتصاد والناس خلال العشرة سنوات الأولى من عمر الإنقاذ نتيجة للدفع الثوري ورفع شعارات الإنتاج وتمزيق فاتورة الاستيراد أفضى إلى رضا معقول، لأن الناس حينها قارنت مع الوضع قبل العام 1989، خصوصاً أن الفترة تزامنت مع قرارات التحرير الاقتصادي 1991 التي نجم عن تطبيقها توافر السلع الرئيسة بكميات وافرة وأبرز الأمثلة كانت في الخبز حيث قالوا (قبل التحرير الناس كانت تطارد في الخبز، بعد التحرير أصبح الخبز يطارد في الناس) كتعبير شعبي عن الوفرة.
الفترة من 1999 الى 2010 شهدت ما أسميه (فقاعة البترول)، حدث استقرار اقتصادي تام، لأول مرة زادت الصادرات عن الواردات فاستقر سعر الدولار، انخفض التضخم الى أقل من 9%، ظل الاقتصاد ينمو بمعدل أكثر من 7% سنوياً كواحد من أعلى معدلات النمو في العالم. تحسنت مرتبات العاملين في القطاع العام، وانفتحت الوظائف أمام الشباب في القطاع الخاص، وقدم قطاعي البترول والاتصالات مرتبات محلية تساوت أو تفوقت على المرتبات العالمية المناظرة، نتيجة لهذا شهدت الفترة ارتفاع معدلات القبول والرضا عن الحكومة إلى أعلى الدرجات.
الفترة من 2011 وحتى اليوم شهدت تراجعاً شاملاً في كل المؤشرات الاقتصادية بسبب انفصال الجنوب وفشل الترتيبات الانتقالية التعويضية التي كان ينتظر معها معالجة آثار الانفصال الاقتصادية. ارتفعت نسبة التضخم الى أكثر من 30% ، وتراجعت قيمة العملة الوطنية بأكثر من 70%.
في هذه الفترة انخفض مستوى القبول والرضا لأدنى مستوياته، خصوصاً أن الفئة الشبابية الحالية لم تعايش فترة الأوضاع الاقتصادية المزرية قبل العام 1989 إنما تفتح وعيها في فترة (الفقاعة البترولية) التي شهدت الاستقرار الاقتصادي وتحسن الاقتصاد وانفتاح الوظائف وبحبوحة العيش النسبية من 2000 الى 2010.
المشكلة الآن بالنسبة للحكومة إن الفئة الشبابية وحسب هرم السكان في السودان يشكلون الغالبية العظمى، أي حديث معهم بأن الأوضاع قبل 1989 كانت سيئة جداً لن يكون مفهوماً أو مستساغاً بالنسبة لهم. انهم يريدون أوضاعاً مثل الفترة من 2000 الى 2010 أو أحسن. وبناءاً على ما تقدم لن تنال أي سياسات حكومية الرضا ما لم تستصحب رؤية الشباب واحتياجاتهم. والله الموفق.
د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com