قبل عدة أيام كنت أتحدث مع أستاذة زميلة لى عن حال طلاب الشهادة السودانية بعد إعلان نتائجهم و مستوى الحيرة و الزعزعة التى يتعرضون لها فى مرحلة التقديم للجامعات. فللطالب و الطالبة رغبة لدراسة علم بعينه ربما فى جامعة بعينها و لكن للأهل رأى مخالف و تجارب مغايرة و لتجارب الآخرين و نظرتهم و ربما رغباتهم كذلك دور آخر يشكل هاجسا للطالب. و ربما يود الطالب أن يعرف رأى شخص يكن له التقدير و الإحترام فيزداد حيرة فى أمره.
أود أن أسرد أدناه تجربة إبنى أحمد فى هذا الخصوص، فهو قد نال تعليمه العام و الجامعى فى بريطانيا . فقد كان بحمد الله من المجتهدين فى دراسته و كنا – كما كان هو كذلك- على ثقة بأنه سيتمكن من تحقيق دراسة التخصص الذى يرغبه. و كان قد أبدى ميولا نحو التخصصات التى تحتاج للرياضيات فى محتواها. و بطريقتنا التقليدية بدأنا نتناقش عن التخصصات الهندسية التى يمكنه أن ينخرط فيها و التى يرجى أن توفر له قدرا من الإستقرار الوظيفى و المالى فى مستقبله القريب و البعيد كما يرجى أن تلبى طموحه العلمى و مقدراته الذهنية.
اذكر أن أحمدا لم يكن يلقى إهتماما كبيرا لحديثنا و لم يشاركنا الحماس بتلك الموجات من الخيال و محاولة رسم مستقبل له. و لكنه أتانى فى يوم بملف spreadsheet يحتوى على كل التخصصات التى يمكن أن يجد فيها رغبة للدراسة و ميولا للانخراط فى العمل فى تخصصها. و إحتوى ذلك الملف على مقارنات من حيث (1) الزمن الذى يمضى بعد التخرج حتى يتحصل على وظيفة (2) الراتب عند بدء العمل (3) الراتب بعد سنتين (4) الراتب بعد 10 سنوات (5) القناعة بالوظيفة نفسها و الثبات فيها … و مجموعة أخرى من المعلومات و المؤشرات.
و كانت نتيجة تلك المقارنات أن أفضل تخصص هو دراسة الرياضيات بغرض الإنخراط فى وظائف المال و البنوك و غيرها. و بعد دراسة مستفيضة مستعملا المؤشرات التى إختارها قدم لدراسة أحد الكورسات فى جامعة Warwick متخصصا فى الرياضيات و الاحصاء و ابحاث العمليات و الاقتصاد. و كانت متطلبات الدخول عالية جدا و المنافسة محتدة إذ يقبل فيه فقط 1 من حوالى كل 10 من الطلاب الذين يستوفون شروط القبول. و الحمد لله تم قبوله فى ذلك التخصص كما تم قبوله فى جامعة Bristol لدراسة الرياضيات فقط و لكنه آثر الدراسة فى جامعة Warwick.
درس بها 4 سنوات و تحصل على الدرجة الاولى فى كل الاربع سنوات التى قضاها فيها و كان يبدى دائما حبه للمواد التى يدرسها. و قد أعلنت نتيجته النهائية للماجستير قبل أيام بحمد الله.
و بالنسبة للعمل فقد كان حريصا على قضاء فترات تدريبية فى فترات الإجازة فى سنين الدراسة كما أنه قد تحصل مؤخرا على عرضين لوظيفتين فى شركتين مختلفتين. مجال العمل فى الوظيفتين مختلف فى كل وظيفة عن الأخرى و لكنه فضل الإنخراط فى المجال الذى يحبه و يشعر بأنه سوف يبدع فيه. و هو مجال للتطبيقات الرياضية لدراسة المخاطر risks و ادارتها ومحاولة التنبؤ بالتغيرات المستقبلية فى مجال تخصص تلك الشركة.
ما أود أن أخلص له فى هذه التجربة هو أن يفكر الطالب جيدا و يضع معايير للاختيار من وجهة نظره و أن يجمع المعلومات اللازمة التى تمكنه من إتخاذ القرار. و فوق كل شيئ عليك بإتباع رغبتك الأكيدة و لا تترك الآخرين ليحددوا لك مسار مستقبلك. و رسالة للآباء و الأمهات ألا يؤثروا سلبا على رغبات ابنائهم و أن يتركوا لهم حرية الإختيار و أن ينحصر دورهم على توفير المعلومات التى يحتاج لها الأبناء لإتخاذ قرارهم و ألا يدفعوهم لتحقيق رغبات هى فى الحقيقة رغبات الآباء و الأمهات و قد لا تكون رغبات الأبناء.
و ليتوكل الجميع على الله و الله ولى التوفيق.
بقلم
بروفيسور: شريف فضل بابكر