– وضع تقرير السفارة الأمريكية الأخير الحيرة أمام الشارع السياسي في الخرطوم الذي ينظر للقرار المرتقب من الإدارة الأمريكية الإيفاء بالتزاماتها حيال رفع العقوبات الأمريكية نهائياً عن الاقتصاد السوداني،
بعد أن قامت برفعه مؤقتاً ومشروطاً، قبل ستة أشهر من الآن وفق القرار الشهير الذي اتخذه أوباما في آواخر عهده في البيت الأبيض، الشيء الذي وجد استحساناً كبيراً ومتعاظماً من المتابعين في جميع الأوساط. وفي الوقت الذي يترقب فيه المتابعين حديثاً إيجابياً عن حالة السودان حيال تنفيذه للمسارات الخمسة التي تضمنها قرار البيت الأبيض، كما أنها أصبحت لازمة لإكمال ما تبقى للوازم رفع العقوبات الأمريكية ، إلا أن السفارة الأمريكية خرجت ببيان أشارت فيه لتردي الوضع الإنساني وعدم التزام الحكومة بتحسين الأوضاع في هذا الجانب ما دفع بإشارات إلا أن هذا التقرير من شأنه أن يؤدي إلى تأخير رفع العقوبات بصورة كبيرة لجهة أن الإدارة الأمريكية كثيراً ما تعتمد على تقارير سفاراتها بالخارج بغض النظر عن أن الجانب الإنساني لم يكن أحد المسارات الخمسة والتي تضمنها قرار رفع العقوبات.
مواقف “كوستس”
جاء هذا في وقت توقَّع فيه القائم بأعمال سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بالخرطوم استيفن كوستس، خلال تقارير سابقة له ، رفع العقوبات الاقتصادية نهائياً عن السودان في يوليو الراهن ، لافتاً إلى أنه لمس تطوراً كبيراً خلال زيارته التي نفَّذها الأيام الماضية لولايات دارفور. وأوضح كوستس ــ في تصريحات صحافية خلال لقائه النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء القومي، الفريق أول ركن بكري حسن صالح أن اللقاء تطرق للعلاقات السودانية الأمريكية، وخاصة موضوع رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، والذي من المتوقع أن يتم في الثاني عشر من يوليو الجاري. مبيناً أنه أطلع النائب الأول على نتائج زيارته لدارفور، وما لمسه من تطورات إيجابية على صعيد الاستقرار بالمنطقة. كل هذه التداعيات أثارها مؤخراً تصريحات كوستس السفير الأمريكي عقب زيارته لولايات دارفور التي أكد إبانها أن الأوضاع في دارفور تشهد تطوراً ملحوظاً وخاصة الوضع الإنساني. إلا أن تعديلات خطيرة أدخلت على تقريره الذي أذاعه بعد أن تقاربت عقارب الساعة من الدخول في المواعيد الواجبة على تنفيذ الشرط الأمريكي حول رفع العقوبات بصورة نهائياً عن الخرطوم.
سيطرة اللوبيات
لم يكن للمواقف الأخيرة تفاسير أكثر من أن هناك من يريد أن يصطاد في المياه العكرة، ولعل الناظر للأوضاع بموضوعية، بحسب حديث د.السر محمد علي الباحث والخبير الإستراتيجي لـ(الإنتباهة) يجد أن السودان قد حظي بالفعل بخطوات إستراتيجية ضخمة نحو الاشتراطات الأمريكية الأخيرة لرفع العقوبات كلياً عن الخرطوم التي عاشت أوقاتاً قاسية شهدت مدى الحرمان والعصف الدولي الذي فرض عليها، بسبب بعض الشعارات وبعض الصور المجازية التي ألحقت باسم السودان لعنة (الإرهاب) وتداعياته. وكانت الإستراتيجية التي اختطها السودان لرفع العقوبات مشيدة بحيث أنها قد تسفر بالفعل عن صدور أمر تنفيذي برفعها، بيد أن الشكوك لا زالت تساور الكثيرين حول المعايير التي استندت إليها الولايات المتحدة الأمريكية في وضعية السودان ومغالطاتها الدائمة في دمغه بالجديد من العقوبات.
أدوار مغايرة
ويضيف السر أن هناك من يرى أن أدواراً مغايرة ظلت تقوم بها بعض اللوبيات المعادية للخرطوم لجهة إجهاض القرار المتوقع اتخاذه من قبل واشنطن برفع العقوبات الأمريكية عن السودان اقتصادياً بعد أن تبدى للجميع ذهاب مقاليد الأمور في الاتجاه ذاته من قبل واشنطن ودرجة التفاعل الدولي مع تلك الخطوة عقب التعاون الكامل الذي وجدته الإدارة الأمريكية من الخرطوم في جميع الملفات. ويضيف متابعون أن (وتيرة الشد والجذب) هذه التي يشهدها هذا الملف، تغلبت على ملف العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وواشنطن منذ أن بدأ ينحى في اتجاهات مغايرة لرغبات الإدارة الأمريكية نحو امتلاك القرار. رغم أن، تغييراً آخر جرى على تلك الملفات والعلاقات من قبل الحكومة في الخرطوم كان عنوانه التفاهم والتعاون المشترك لتحقيق المصلحة العليا وفك الحصار الاقتصادي المضروب على السودان.
رأي عام أمريكي
لم تكن قضية رفع العقوبات عن السودان، قضية تشغل الرأي العام السوداني فحسب، بل أن الرأي العام في أمريكا بدأ يتحدث بصدق عن أضرار الحصار و الجور الذي وقع على الخرطوم، ما دفع صحيفة الكونغرس لتنادي في أواخر العام 2015م بضرورة رفع العقوبات عن الخرطوم ولم تكن هي الأولى من نوعها، فقد ظلت دوائر أمريكية عديدة تطالب برفع العقوبات التي فرضت على البلاد، بيد أن الساحة لم تخلو من اللوبيات المضادة اطلاقاً.
تجبر الكونجرس
وفسر متابعون للملف التطورات الجارية في واشنطن بخصوص الملف على الساحة السياسية هناك قد تجبر (الكونجرس) على اتخاذ قرار إيجابي بشأن رفع العقوبات عن السودان. و ارتفعت أصواتاً عديدة شككت في أهداف المقاطعة وجدواها، فيما وصفتها ذات الدوائر بـ(المسيسة) وغير الأخلاقية وطالبت برفعها وإعادة النظر فيها. وقال كُتاب رأي عام أمريكيون بأنها أصبحت واحدة من أدوات السياسة الخارجية الأكثر استخداماً في الولايات المتحدة وأكدوا أنه من المرجح أن يستمر الجدل حول فعاليتها في المستقبل. وباتت حالة التململ واضحة بحسب تقرير نشرته (الإنتباهة) في وقت سابق، وسط نخب أمريكية جراء تمدد حائط العقوبات على الخرطوم.
اعادة النظر
وفي الغضون ذلك، أقرت صحيفة الكونغرس الأمريكي (ذي هيل) إنه حان الوقت لإعادة النظر في العقوبات الأمريكية على السودان مطالبة بإلغاء العقوبات الشاملة التي لا يتضرر منها سوى الأبرياء. وطالبت الصحيفة بتوضيح الأسباب الإستراتيجية والأخلاقية التي تبقي على هذه العقوبات بعدما أكدت الدلائل أنها لم تعد تفي بالمعايير المطلوبة. واستناداً الى الصحيفة فإن الإدارة الأمريكية قد أحدثت في الآونة الأخيرة ثغرات في نظام العقوبات عبر استثناءات وهو ما يجعل العقوبات تنتهي بشكل جزئي حال توسع تلك الاستثناءات. بيد أن الدائرة تتسع بعد أن شملت أجهزة الاتصالات رفع الحظر عن ما نسبته 55% عن مشاريع الزراعة والبيئة بالبلاد.
المسارات والشروط
لعل واحدة من أهم المسارات الخمسة لرفع العقوبات، هي أن يكون للسودان سهم كبير في التحول الديموقراطي وعودة الحياة لطبيعتها في دولة الجنوب وفتح مسارات لتوصيل الإغاثة لشعبه وبحسب حديث السفير الأمريكي فإن الجهود التي اتبعتها الحكومة في فتح تلك المسارات كانت ملحوظة وكبيرة بيد إنه أشار إلى الخطورة التي تواجهها هذه الجهود من قبل الحركة الشعبية وغيرها من الحركات الخارجة عن السيطرة في الإقليم. ولذلك كله ترى واشنطن أن السودان باستطاعته أن يلعب دوراً كبيراً يسارع في إيجاد الحلول للأزمة هناك. وقد اجتهد السودان كثيراً عقب في قيامه بفتح المعابر لإيصال المساعدات الإنسانية الدولية والإقليمية والمحلية لإنقاذ الشعب الجنوبي من المجاعة وتفشي الأمراض ووقف نزْف الدم الذي ضرب جميع أنحاء البلاد. ولعبت دبلوماسيته دوراً كبيراً في هذا الجانب، ورغم ذلك يرى كوستس أن على السودان أن يبذل مجهودات أكثر رغم أن هناك من يهمهم الأمر يقفون حجر عثرة أمام هذه الجهود بعلم الإدارة الأمريكية التي لا تحرك ساكناً حيالهم ، مثل الشعبية وحركات التمرد وحتى حكومة جوبا نفسها.أما محاربة الإرهاب المسار الآخر فبشهادة أمريكا نفسها بحسب تقرير نشره أحد المراكز الإستراتيجية في واشنطن أشار فيه إلى أن السودان لا يدعم الإرهاب بحسب موقع (Cipher Briep) الأمريكي في الحادي عشر من شهر مايو 2017 م. وأهم ما في المقال التحليلي الذي يدعم عدم رعاية السودان للإرهاب ما شهد به اثنان من الخبراء الأمريكيين المختصين في الشأن السوداني، وكان لهما تأثير واضح في صناعة القرار في واشنطن وهما (البرتو فيردنادز) و (فيليب كارتر). والمسار الرابع متعلق بالعنف في إقليم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان فهما أيضاً للسودان مجهودات كبيرة وجبارة حيال إنهاء هذه الأزمات سلماً ليس حرباً إلا ما شهدته الساحة مؤخراً وللمجتمع الدولي تقديراته من تلك الأزمة بصورة غير سلبية مروراً على التصريحات والتقارير التي وردت حيال الأزمة.
دعم الخرطوم
ولم يخفِ متابعون للأوضاع المواقف الإيجابية للملكة العربية السعودية في هذا الجانب، فهم يراهنون على دور جدي للملكة العربية ، والتي أعادت العلاقة بين البلدين لوضعها الطبيعي إلى أن تلعب أدواراً بارزة قد تُسهم في فك الحصار الاقتصادي المضروب على الخرطوم، من واقع التقارب الكبير الذي يجمعها بالإدارة الأمريكية ودورها الكبير في قرار أوباما برفع العقوبات عن السودان. وتقول ذات المصادر إن الخرطوم لم تفقد الأمل في ظل التكالب وظهور اللوبيات المؤثرة في القرار الأمريكي لجهة أن دولاً كثيرة كدول الخليج قد تكون نصيرتها ولكنهم طالبوا بعمل جدي يجب أن تبذله الحكومة حتى تكسب رضاء كل الذين يقفون على الرصيف في مجلس الأمن والأمم المتحدة وليس الدول العربية وحدها بالرغم من خصوصية القرار وأحاديته الأمريكية.
الانتباهة