مستشفى أم درمان.. كارثة طبية في العاصمة الوطنية
هكذا ماتت الطفلة (ضياع)
نفايات طبية مخلوطة بنفايات عادية داخل المستشفى
مكيفات ومصاعد كهربائية معطلة
أبواب موصدة بأكياس البلاستيك و(سيور الدربات)
مرافق مريض يقوم بهمة الممرض
(ضياع) اسم مفترض لطفلة ذات أربعة أشهر عاشت مأساة حقيقية في مستشفيات الخرطوم… القصة المؤلمة ترويها أحدى مرافقاتها في ذات المستشفيات والراوية اختصاصي مختبر تربطها بالطفلة صلة رحم من الدرجة الثانية، في ذات نهار ظهرت على ـضياع ـ أعراض مرض الاسهال ـالعادي ـ أخذها والديها الى مستشفى ابراهيم مالك ثم تطور الاسهال الى خروج دم قرر الطبيب المتابع لصحتها تدخل جراحي عاجل الشي الذي لم يتوفر لدى مستشفى ابراهيم مالك ولا مستشفى بحري فقرر ذويها الذهاب الى مستشفى أمدرمان التخصصي.
مأساة ضياع
من هنا بدأت ماسأة (ضياع) حسبما تروي قريبتها ـطبيبية المختبرات ـ تقول قريبتها: “أن التدخل بالضبط لاجراء عملية التواء ولما دخلنا بالطفلة الى مستشفى ام درمان طلب منا الطبيب اجراء فحصوات وموجات صوتية لكننا ـ الحديث للطبيبة ـ تفاجأنا بأن معمل الموجات الصوتية مغلق وبالتالي اضطررنا أن نجري لها الموجات في مستشفى البقعة ثم عملنا فحص لوظائف الكلى وقمنا بشراء كل ما يلزم توفره لاجراء العملية من مالنا الخاص من الصيدلية وهذه الاحداث جرت ما بين الساعة الواحدة ظهراً أمس الأول وحتى ماقبل المغرب بساعة تقريبا جلسنا في تلك اللحظات وبدأنا رحلة البحث عن الطبيب المؤكل له مهمة اجراء العملية ولم نجده دخنا غرفة العمليات وجد طاقم العملية كله يستعد لاجراء عملية طفلة آخرى وفي انتظار الدكتور وظللنا هكذا في رحلة بحث عن الطبيب حتى الساعة الحادية عشر والنصف مساء حتى عثرنا على الطبيب بعد حملة احتجاجات واسعة ما بين مكتب المدير الطبي العام ومدير طبي قسم الحوادث، وحتى المدير العام للمستشفى قال أنه لايملك رقم هاتف طبيب العملية وانكر معرفته به”.
في تمام الساعة الثانية عشر بعد ظهور الطبيب ومعه أخصائي التخدير أمر بادخال الطفلة غرفة العملية التي استمرت لثلاثة ساعات حتى نهاية العملية، بعدها من المفروض أن تكون الطفلة صائمة وفي الصباح مر عليها الطبيب ومن هذه الفترة ظلت الطفلة صائمة حتى تمام الساعة الخامسة مساء اليوم الثاني، وتعبت شديد وبدأت والدتها رحلة أخرى في البحث عن الطبيب ولم تجده ثم عجزت عن وجود الطبيب حملت طفلتها وأقتحمت غرفة العملية ووضعتها على منضدة بالغرفة ونبهت الطاقم الطبي العامل بضرورة اسعاف الطفلة لانها بدأت تستفرغ دماً ولما لم يهتموا بالامر حملت طفلتها ودخلت بها الى مكتب المدير الطبي ووضعتها امامه في المنضدة، وقالت له (ان ابنتي ستموت) ولما قمت باستفساره عما يحدث قال لي: (نحن ما عندنا أطباء من الصباح)، فقلت له أنت طبيب ويمكنك اسعافها بتنفس صناعي او ادخلها الى غرفة الانعاش. ولما سعت الام مع المدير الطبي في البحث عن الطبيب كانت الطفلة قد لفت انفاسها الاخيرة ـ ماتت ضياع وتم لفها في قطعة قماش ـ ووالدها تبكي من الخامسة حتى الثامنة ثم في تمام الساعة التاسعة تفاجأت بأن الفراشة لازالت بيدها وكذلك ابوب التغذية نزلت الى المدير الطبي وقلت له أن طفلتنا (ماتت) ونريد اكمال الاجراءات ثم بعد التأكد من الوفاة أخذ روشتة وكتب عليها اذن دفن”.
مستشفى في غرفة الانعاش
هكذا انتهت قصة ضياع المحزنة بالموت ـ اهمالاًـ رغم ايمان ذويها بالقضاء والقدر، لكن ما يؤلم حقاً أن مستشفى أم درمان هو نفسه يحتاج الى غرفة انعاش حتى يستعيد قواه المنهكة بفعل الاهمال والترديء البيىء الخطير وتناثر النفايات الطبية وتعطل المصعد الكهربائي المودي الى عنابر الانتظار ما بعد العملية الجراحية واختلاط النفايات الطبيبة بالنفايات العادية وربط أبواب ونوافذ الغرف بالاكياس و(سيور الدربات)، ثم معاناة المرضى وذويهم من زحام عجيب وحالة ضغط وانفجار رهيبة للمرضى في قسم الطواري والاصابات هذا الزحام الذي وفيما يبدو (ضاع داخله السادة الاطباء في وقت لايمكن رؤيتهم بالعين) هذه العبارة بين القوسين كنت قد استنتجتها من حديث أحد المسؤولين معي في المستشفى عندما استفسرته عن عدم وجود الاطباء فقال لي ببرود لايمكن أن ينعدم الكادر الطبي بالمستشفى ولدينا محاضر صارمة للحضور والغياب وهو نظام حديث متبع يوقع عليه كل الكادر بالمستشفى ثم قال لي يبدو أنك لم تراهم داخل الزحام فهم مشغول جداً بمرضاهم داخل العنابر وموزعين في شكل مجموعات”.
حالة زحام
تسللت خلسة الى داخل المستشفى وتجولت داخلها أنا ومرافقي الذي له علاقة قوية بالحقل الطبي ومكثت هناك أكثر من ثلاث ساعات وبدأت جولتي من غرفة (الازمات) في قسم الطواري ـ الصور الاولى ـ لم أجد الطبيب المختص داخل غرفة الازمة وجدت مريضة وفي انفها انبوب أوكسجين والاحواض حدث ولا حرج ثم كروتنة صغيرة بداخلها نفايات طبية، خرجت منها ودخلت الى الغرفة (سي 1) داخلها بعض المرضى وفي (سي 2) المجاورة وكانت تضج بالمرضى ومرافقيهم في حالة زحام عجيبة وندرة في النقالات ـ التي برر لها المسؤول داخل المستشفى بان السبب في الندرة الضغط على المستشفى وليس قلة الامكانيات ـ ثم تعطل المكيفات ويعمل المرافقين لراحة مرضاهم بـ(الهباب) ولما استفسرت المدير العام لقسم الطواريء قال لي أن التكييف لا علاقة له بعلاج المرضى قبلت وجهت نظره على مضض ثم دخلنا في موجة من النقاشات مع بعضنا البعض وهو يدافع عن الاوضاع داخل المستشفى وينبهني بأنني ركزت على السلبيات دون الايجابيات داخل المستشفى ولم ينقطع السجال بيننا الا أن دخل علينا أحد المسؤولين ونهبهني الى أن لديهم اجتماع مهم مع المدير، شكرتهم وغادرت المكتب.
نفايات طبية مخلوطة
واصلت جولتي داخل المستشفى وفي عنابر الرجال وجدت شاباً داخل مكتب الممرضيين منكفي على كومة من (الفايلات) خلته في البداية أنه ممرض بيد أنني صدمت لما أبلغني بانه مرافق لمريض في العنبر المجاور للمكتب وان مريضه تعبان ويريد أن يسعفه لكنه لم يجد الممرض وطلب منه المدير الطبي أن يحضر له (فايل) المريض وأطضر للبحث عنه بطريقته الخاصة ثم بعد اطلاع مرافقي على الفايل طالب مرافق المريض بالاسراع لاحضار (الدربات) لمريضه لان نسبة البوتاسيوم في حالة هبوط وهذا يتطلب منه سرعة انقاذه، غادرت بعدها الى مكان مكب النفايا في ركن قصي داخل المستشفى ثم تفحص مرافقي في اكوام النفايات ونبهني بان هذه الحالة خطيرة جداً اذ وجدنا أن النفايات الطبية مخلوطة بنفايات عادية ولم يتم فرزها في وقت كانت عربة تدوير النفايات غادرت للتو مكان تجمعها وحملت النفايات بهذه الخلطة الخطيرة وعلمنا بعدها من عامل نفايات داخل المستشفى أن زملائه لم يحضروا للعمل ومهتهم فرز النفايات.
الخرطوم: علي الدالي
صحيفة الجريدة