(عِشة) متواضعة من أعواد الـشجر اليابسة معروشة بالصفيح و (شوالات) الخيش المهترئة ، لاتقوى أن تصمد أمام أهوال الطقس القاسيّة ، أب يصارع الحياة وهو يطوي آلامه بين أضلعه، ليجد لقمة عيش يطعم بها تسعة أفواهٍ فاغرة زُغب الحواصل ، ينتظرونه في المساء ، يحضر إليهم بجسمه المرهق المهدود ، وبالكاد يحمل ما يسد رمقهم حتى الصباح ، الذي تدور معه رحلة المعاناة .
من هذه ( العِشة ) البسيطة ،
خرجت ( شيرهان الطيب الكباشي ) مقاومة لكل الظروف ، مُتغلبة على الصعاب ، صامدة كالطود ،ّ لتتفوق بمجموع 278 درجة في إمتحانات مرحلة الأساس لتأتي في المرتبة الثانية بولاية الخرطوم ، ونسبة 93% في الشهادة الثانوية السودانية ، المساق العلمي ، في الوقت الذي كان والدها لايستطيع أن يوفر لها حتى ثمن كهرباء تُضيء ( لمبة واحدة ) تذاكر بها دروسها. لتستعد للامتحان ، فتلجأ إلى ( عمود كهرباء ) في الشارع ، كان أرأف بها من جميع مجتمع المدينة المُترفه الغارقة في البهارج والبذخ !!
من تحت ضوء هذا ( العمود ) الفارع تفوقت شيرهان أكبر أخوتها التسعة ، وكأنه كان يؤانس وحشتها في الليل البهيم ، و يمنحها الشموخ والرِفعة وهو واقفاً معتدلاً يشق عنان السماء !!
من أي طِينة أنتم أطفال السودان ? الذين عودتمونا أن تقدموا في كل صباحٍ ( قصة نجاح ) يُحتذى بها في العصاميّة و الصبر والارادة وتحدي الصعاب والاقدام ، دون أن نسمع لكم ضجر ولا ضجيج ، تكابدون في صمت ، وتئنون بلاصوت ، وتفاجئوننا بأينع الثمار .
لله دركم جميعاً ، وقد سطرتم سِيرة مُلهمة تتناقلها الاجيال ، عنوانها لا يأس ولا إحباط رغم ما تواجه من مشاق ، ولا فشل يستطيع أن يهزم الإرادة و الإصرار .
وحسناً فعل نائب رئيس الجمهورية بزيارته لـ
( كوخ ) شيرهان وأسرتها المتعففة يوم أمس ، وتكفل بمنزل يليق بهذا التميّز والكفاح .
ونتمنى أن تمتد يد الدولة لجميع أسر التلاميذ ( العصـاميّون ) من أمثـالها الذين شقوا طريقهم الوعر ، وهم يكابدون شظف العيش و ضعف حيلتهم ، لايسألون الناس .
والله المستعان .
ابومهند العيسابي