اليوم عاد موسى (الفران) الى موقعه بمخبز الحي ..موسى كان احد الوجوه الثابتة التي التقيها في نهاية اليوم حيث اشتري الخبز قبل العودة الى بيتي ..كنت قد سألت عنه بعد اختفائه بفترة ..قال لي صاحب المخبز .. (موسى اتفلهم قال عايز زيادة قروش . وقدر ما زدنا ليهو ..قال في ناس ادوهو اكثر ..قلنا ليهو الله يسهل عليك )..اذكر انني سألته من باب الفضول ..(ليه ؟؟ اصلو هو بياخد كم ؟؟) ..رد علي صاحب المخبز بغير اكتراث ..وكأنه يلقي بالتحية (كان بياخد اربعة ..زدناه لحدي خمسة ..قال لا ..الا ستة )..قلت بذهول (خمسة مليون ؟؟؟!!!) ..أومأ برأسه موافقا وهو يواصل في تفريغ طاولات الخبز ..تاركا اياي في ذهولي وانا اتذكر تلك الوريقات التي تنزل في حسابي اخر كل شهر ..وصوت سعدية النكدية يتردد في ذهني (انا من ضيع في الأوهام عمره) ..
هززت رأسي بعنف ..وقلت لنفسي لا زالت فيك بقية من جاهلية ذوي الياقات البيضاء ..تستكثرين هذه المبالغ على من يقف امام (الفرن) الساخن لساعات طوال ..ومن يسهر الليل لتجدي انت واطفالك خبزا طازجا كل صباح ..يبدو ان المفاوضات قد نجحت معه وعاد منتصرا بعقد احترافي جديد ..مازحني ذات مرة قائلا .. (يا دكتورة ما تعرسي لي فلانة ديك )..ذكر اسم احدى الفتيات التي كانت تقضي فترة تدريبية بالمعمل …ابتسمت وقلت له (انا دخلي شنو ؟؟ امشي اتقدم ليها ) ..قال وهو يبادلني الابتسام (قالوا هي شغالة عندك في القسم بتاعك ..انت كدي شوفي لي مويتها ) …اتسعت ابتسامتي اكثر (القسم دا حق الحكومة ..هي بتتدرب عند الحكومة ..زي ما عرفت هي شغالة وين ..امشي اعرف هي ساكنة وين )..هز رأسه قائلا (دا كلامك ؟؟..انا زمان عرفت بيتهم مقبل كيفن ..بس الا ماسكني شئ واحد ..عينها في الافندية الداخلين ومارقين ديل ..باقي لك بتقبل بي ؟؟؟) …
سؤال صريح ومباشر ..وضع العقدة في المنشار وسأل السؤال الذي نغلفه بشتى الأغلفة ..الفارق الاكاديمي ..والتوافق الفكري ..وايه ومش عارف ايه ..قلت له بصراحة (يا موسى ..اي زوجة بتشوف زوجها دا احسن منو مافي ..دي ما عندها علاقة بي شغلو ..لكن انا بعتقد انو المشكلة في الرجال ..ما بكون عايز يتزوج واحدة قارية اكتر منو ..ولا بتفهم في شئ هو ما بعرفه)…اذكر ان فترة صمته طالت قبل ان يقول لي (لا ..لا ..كلامك ما صاح ..النسوان المتعلمات بيقولن كدي ساي ..لكن بعد داك الواحدة ما بتديهو احترامه ولا بلقى الراحة الكان منتظرها ..في شان كدي ..انا بنيتك عاجباني تب …لكني خايف بعدين القى روحي شلت لي شعر ما عندي ليهو رقبة ..)…أذكر أنني ضحكت في ذلك المثل الذي ردده ..وقلت له (برضو منطق ) ..قال وهو يضحك ( اها انا شقاوتي في المنطق دا ..خليها تعرس ليها زول اليغديها ويعشيها منطق )
..كان يتحدث عن ثقة ..فهو يحصد الملايين كل شهر وكذلك يضمن الخبز كل يوم …بعد هذا الحديث بفترة قليلة اختفى موسى ..ولم يظهر الا اليوم ..اما صديقتنا فقد انتهت فترتها التدريبية وغابت عن الانظار ..حتى نسيتها تماما ..ولكنني رايتها قبل فترة قصيرة تنزل من حافلة المواصلات ومعها طفل صغير ..صافحتني بحرارة ..لتخبرني انها تزوجت زميلها في الجامعة ..وهذا طفلها الاول وهي ذاهبة به الى الحضانة قبل ان تذهب الى عملها … اليوم …حياني موسى بابتسامة واسعة سائلا عن احوالي ..ابتسمت بدوري فقد استمعت صباحا الى راديو ادم وكان يغني (تواه انا ..كل الدروب جربتها ..لا وصلت ليك ..لا الرجعة تاني عرفتها )
د. ناهد قرناص