السودان .. التحالفات الإستراتيجية

– إن الحاجة إلى تركيز الجهود وتطبيق إستراتيجيات متماسكة، عند البحث عن حلول إقليمية أو دولية للمشكلات، تساوي الحاجة إلى حلول للمشكلات الداخلية، غير أنها أشد تعقيداً بكثير، واليوم تواجه منطقتنا تحديات إستراتيجية في كل من اليمن وسوريا، بينما تتطلب الحلول لهما تنسيق القدرات الوطنية والمتعددة الجنسيات، وحتى عندما تكون الأهداف على المستوى الوطني واضحة جلية، تظل القدرة على تركيز الجهود المتعددة الجنسيات الرامية إلى ضمان النجاح على الصعيد الإستراتيجي تشكل تحدياً في أوقات الإضطراب، وبالتالي فإن الوسائل الدولية لتركيز الجهود، بما فيها التحالفات والإئتلافات، تستحق فهماً أكبر.

– يمثل التحالف إتفاقاً رسمياً بين دولتين أو أكثر، يتعلق عموماً بالتخطيط والإستجابة للتهديدات والإلتزام بقوات، أو بعمل عسكري مشترك ضد التهديدات، وغالباً ما تنطوي التحالفات على إتفاقات عسكرية وغير عسكرية على حدٍ سواء، وكانت التحالفات في الماضي تهدف إلى تعزيز المصالح الوطنية لكل طرف، وتنص على الإستجابة المنسقة في حال تعرض إحدى الدول الأعضاء لتهديد، ويكمن الدافع الواضح وراء إنخراط الدول في تحالفات عسكرية في الرغبة في ضمان حماية أفضل لنفسها من التهديدات الصادرة عن لاعبين عالميين أشد قوة منها.

– لكن الدول كانت أيضاً تقيم تحالفات فقط لتحسين العلاقات مع دولة مخصوصة لمنع حدوث صراع مع خصم محتمل، وقد إحتدم الجدل حول قيمة التحالفات، بما في ذلك تشكيلها وتماسكها، ومن ذلك كتابان رائدان يلخصان ذلك الحوار هما “سياسة الأحلاف”، لمؤلفه جلين ه. سنايدر، و “أصول التحالفات” لمؤلفه ستيفن والت.

– أما الإئتلاف الإستراتيجي المتعدد الجنسيات فهو عبارة عن منظمة مكونة من دول ملتزمة فيما بينها بعمل معين، وموحدة ضمن هيكل قيادة واحدة ذات سلطات محددة، ومشكّلة على الأغلب لأغراض عسكرية أو لعمليات الإغاثة، وتتصف الإئتلافات بعلاقات أضعف من علاقات التحالفات التي تتطلب عادة وجود تعاون، بينما تعتبر أعمال التحالف طوعية.

– ومن أمثلة الإئتلافات ائتلاف تمت إقامته في عام ۱۹۹۰م، من أجل تحرير الكويت، وعملية “إنترفيت” بقيادة أسترالية في تيمور الشرقية عام ۱۹۹۹م، وثمة مثال للإئتلاف أقرب عهداً هو الائتلاف الذي شكله حلف الناتو من أجل الحرب الأهلية الليبية عام ۲۰۱۱م، ضد الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، كان لكل تجمع من هذه التجمعات الإئتلافية علاقات مختلفة بين الدول المشاركة، وهناك دراسة جيدة قريبة العهد هي “الأحلاف والتحالفات في التاريخ: الإستراتيجية الدبلوماسية وسياسة التحالفات”، للمؤلفين مليسا ييجر و تشارلز كارتر.

– واليوم في منطقتنا كان التحالف العربي في اليمن هو السمّة البارزة خلال السنتين الماضيتين، حيث قامت المملكة االعربية السعودية بقيادة تحالف مؤلف من تسع دول عربية في اليمن المجاور، في عملية الحزم وعملية إعادة الأمل، وذلك إستجابة لطلبات المساعدة المقدمة من الحكومة اليمنية برئاسة الرئيس هادي، وقامت طائرات من الأردن والسودان والإمارات العربية المتحدة ومصر والمغرب والكويت وقطر والبحرين بالمشاركة في هاتين العمليتين.

– وقد أتاحت الصومال مجالها الجوي ومياهها الإقليمية وقواعدها العسكرية للتحالف، وقدمت الولايات المتحدة الأمريكية المعلومات الإستخباراتية، والأسلحة، والدعم اللوجستي، بما في ذلك خدمات البحث والإنقاذ لطياري التحالف الذين يتم إسقاط طائراتهم، وعلى الرغم من أن باكستان لم تدخل عضواً في التحالف، فقد وافقت على تقديم سفن حربية لتساعد التحالف على فرض حظر على إمداد الحوثيين بالأسلحة.

– كانت هذه الدول جميعاً مشتركة في بعض الأهداف المشتركة، وفي أبريل من العام ۲۰۱٥م، أعلن مسؤولون نهاية “عاصفة الحزم”، وإنتقل التحالف إلى التركيز على العمليات السياسية ومساعي الإستقرار الأولية، في “إعادة الأمل”، موضحاً أن التحالفات يمكن أن تكون مفيدة في الأمن والمساعي الإنسانية، وفي فبراير ۲۰۱٦م، قامت المملكة العربية السعودية أيضاً برعاية مناورات التحالف تحت إسم “رعد الشمال”، وكان الهدف منها إظهار إلتزام التحالف بالتصدي للأخطار الأخرى.

– ويستطيع التحالف أن يساعد على إبراز قواعد السلوك الإقليمية، وأن ينجح حيث يخفق العمل الأحادي في إحداث التأثير الكامل، ولعل إدارة التحالفات الدولية يمكن أن تحمل معها تحديات، غير أنها يمكن أيضاً أن تزيد من تأثير دول عندما تتبادل المصالح مشتركة مع الدول الأخرى، وسوف تبقى إدارة التحالفات الدولية مهارة مهمة للقادة الإستراتيجيين في العقود القادمة.

– وبما أن السودان أصبح من الدول المهمّة في الإقليم، بل ومساهم مساهمة فعّالة في عمليات عسكرية لحفظ الأمن والإستقرار في المنطقة، فإن التحالفات والتعاونات العسكرية بينه والدول الصديقة والشقيقة مهمّ جداً في هذه المرحلة، خاصة إذا ما رفعت العقوبات المسلطة علي كاهل الوطن، حيث ستكون تلك التحالفات مع الدول المختلفة أساساً متيناً لعلاقاتنا العسكرية المستقبلة، وزيادة للخبرة العسكرية، وحفظ للأمن والسلام في المنطقة.

بقلم
أسد البراري

Exit mobile version