تحدَّثتُ مع عددٍ من العارفين ببواطن الأمور، عن الأسباب التي أدَّت لإقالة الفريق طه عثمان.
للأسف، كل واحد منهم روى لي رواية مختلفة عن الآخر. صحيح أن جميعهم اتفقوا على أمر واحد، وهو أن طه وقع في فخِّ الأخطاء القاتلة غير القابلة للتجاوز والغفران.
أحدهم قال لي: تم النَّيْل من طه عندما فقد ثقة الرئيس، وسُحِبَتْ منه مظلَّة الحماية.
إلى هذه اللحظة، لا يعرف أحدٌ على وجه الدقة والتأكيد، الأسباب التي أدت إلى إقالة الفريق طه عثمان.
روايات مُتعدِّدة مبثوثة في فضاء الأسافير وفي مجالس المدن، لا تخرج من اتهام الرجل بالفساد أو الخيانة أو الاثنين معاً.
الصمت الرسمي يُلحِقُ ضرراً بطه والحكومة؛ فهو يعطي مصداقية لكُلِّ ما يُقال، وبذلك يُساء إلى سمعة طه وتُشوِّه صورة الحكومة.
حتى إذا تعذَّر التصريح، فالتلميح كان يكفي لوضع القرار في إطاره الصحيح، حتى تتمايز الشائعات من الحقائق.
سألتني المحررة المتميزة بالزميلة (اليوم التالي) أميرة الجعلي، عن الهجوم الشرس الذي تعرَّض له طه عثمان، بعد إقالته.
قلت: الفريق طه عندما كان في موضع قوة ونفوذ، كان البعض يتحاشون انتقاده تصريحاً أو تلميحاً، بل البعض أفرط في تعظيم دوره.
أن يكون لديك موقفٌ إيجابيٌّ من شخص مُحدَّد أثناء وجوده في السلطة ويتغير إلى موقف سلبي بعد مغادرته، يُعتبر ذلك تحولاً غير أخلاقي.
الأمر ليس مُتعلِّقاً بطه فقط؛ هي ظاهرة مُتكرِّرة منذ أن قال الحكماء في الماضي:
إذا مات كلب الملك حضر الجميع لمراسم التشييع، وإذا مات الملك لا يحضر أحد.
الشيخ حسن الترابي قبل المفاصلة، كان في موضع قداسة ورهبة، لكن بعدها تم (انتياشه) بالنقد والإساءات.
الفريق أول صلاح قوش لم يكن أحد يستطيع أن يتناول سيرته بسوء، لكن تم انتقاده والتشهير به فور مغادرته الكرسي.
العبرة من كل ذلك:
علينا ألا نمنح كبار المسؤولين حصانةً شاملةً من النقد، أثناء وجودهم في المنصب، حتى لا يجدوا أنفسهم في آخر الطريق، مُطالبين بتسديد كُلِّ فواتير الماضي بشيك واحد.
من يملك السلطة، عليه ألا يغترَّ بما يجده من مدحٍ وثناءٍ وخضوعٍ لإرادته؛ كل ذلك سيذهب هباءً مع انقطاع التيار الكهربائي والجلوس على مقاعد المتفرجين.
ضياء الدين بلال