لو وجد خبر رحيل بازرعة ربع الضجة والاهتمام الذي وجدته حلقة لوشي المبارك، لبادرت الدولة لبناء تمثال لبازرعة

(معليش) يا بازرعة.!
من غرائب وعجائب هذه البلاد، أن الشهرة والمجد يذهبان فيها لصاحب أقل عطاء وإنجازات – وربما (أغبى) الشخصيات – وذلك أمر لا يمكن تفسيره على الإطلاق، ولن نجد تفسيرا منطقيا له إلا إذا خلعنا تلك القطعة السوداء التي نغطي بها بصيرتنا وجزءاً كبيراً من (الضمير)، ولعل أبلغ دليل على صحة الحديث أعلاه، هو ذلك التجاهل الغريب و(المؤسف)، لرحيل شاعر الحب والجمال و(السرديات العاطفية) حسين بازرعة، والذي غادر هذه الفانية بذات الهدوء الذي عاش بين عوالمه.

عيب علينا والله، أن يمر رحيل قيثارة الشعر السوداني حسين بازرعة بذلك (البرود)، وتلك (العادية)، وعار علينا، أن تغطى على رحيله بعض (هوائف) الزمان، وسطحيات واقعنا المبتذل، وبعض (غثاء) الفضائيات المقرف!

صدقوني، لو وجد خبر رحيل بازرعة ربع الضجة والاهتمام الذي وجدته حلقة لوشي المبارك في البرنامج الكسيح والهزيل (عليك واحد)، لبادرت الدولة فوراً لبناء تمثال لبازرعة في الشارع الرئيسي الذي يربط بين الخرطوم وبورتسودان، وهو قليل جداً مما يستحق بازرعة، لأن بازرعة ربط وجدان السودانيين بدرر الكلم واستثنائية المفردات، ولو وجد خبر رحيله كذلك نصف المساحات الهائلة التي يجدها بعض صبية الغناء و(تعلمجيته) داخل الفضائيات، لأقام كل الشعب السوداني سرادق عزاء داخل أحياءه، لأن كثافة الطرح الإعلامي لرحيله، كانت ستبث بالفعل أن (الفقد عام) والحزن (جماعي).

كنت أظن – وبعض الظن إثم – أن مواساتنا كشعب وإعلام لـ(أنفسنا) قبيل أسرة الراحل ستكون أكثر (حرارة)، ولم أتوقع أن تأتي تعازينا في قوالب (مثلجة) – إن لم يكن من أجل فقداننا لشاعر عظيم – فعلى الأقل لرد الدين لذلك الشفيف الذي واسى (بحرارة) كل المكلومين عاطفياً عبر أغنياته، وقدم لهم عبرها (ترياق الشفاء) من الجراح العاطفية.

وبازرعة، لم يكن طبيباً متخصصاً في مواساة وعلاج (جرحى القلوب) وحسب، بل كان أيضاً صوتاً للوطن، وكان أحد الشعراء الذين قالوا في حق هذه البلاد أجمل الأشعار وتكفي: (أفديك بالروح يا موطني)، ولعل ذلك ربما كان دافعاً إضافياً لمُطالبتنا بمنح الراحل حقه، فالشاعر الذي يكتب لوطنه بكل تلك الأحاسيس يستحق الاحترام والتقدير و(الإنصاف).

قبيل الختام:
بكل شجاعة أعترف اليوم بأنني ككاتب متخصص في الفنون من أوائل المقصرين في حق الراحل، وأتقدم عبر هذا المقال باعتذار رسمي لـ(روح) بازرعة الطاهرة على هذا التقصير، وأنتظر من الآخرين أيضاً تقديم اعتذارهم والسعي في مقبل الأيام لتصحيح الصورة، فـ(قصتنا) مع بازرعة لا يمكن أن تنتهي بمثل هذه النهاية (الجاحدة).

شربكة أخيرة:
إيه يا عاشق الحروف وداعا
عشت أسطورة الحروف اغترابا
حملت نعشه أكف العذارى
والعصافير وسدته الترابا

أحمد دندش

Exit mobile version