حكى لي زميل صحفي قبل عامين، أن إحدى السفارات الأجنبية طلبت منه أن يعد لها رصداً صحفياً أسبوعياً حول أبرز قضايا تشغل الساحة السياسية السودانية، أن يختصر المواضيع ويكتبها في نقاط محددة..
الأمر بدا أقرب إلى الرصد الصحفي اليومي الذي تقوم به المكاتب الإعلامية في عدد من المؤسسات الحكومية، غير أن الفرق تمثل في طلب السفارة منه كتابة تحليل سياسي حول بعض المواضيع التي تحددها السفارة نفسها..
زميلي كان مقتنعاً بالعمل الموكل إليه، سألني إن كان تعاونه مع السفارة قد يُحدث له تشويشاً أو يستغل ضده تحت مسمى تخابر مع دولة أجنبيه، خاصة أن قضايا الجاسوسية وقتها تكاثرت وطفت على السطح وألقي القبض على عدد من المتهمين لمجرد تعاونهم مع بعض السفارات..
شاركته الإحساس بأن هناك حساسية مفرطة من السلطات الحكومية في التعامل مع الصحفيين الذين تربطهم علاقة بالسفارات أو يترددون عليها.
المنطق يقول إن الرصد الصحفي عمل متاح ومباح لا تشوبه شائبه وكتابة مقالات تحليلية للسفارات حول مواضيع معينة تطلبها ليس فيه حرج باعتبار أن الكاتب يكتب مقاله في الصحف أو عبر صفحته بالفيس بوك ويقرأه الجميع ولا يكتب إلا وجهة نظره فقط حتى تستفيد السفارة من تحليلاته.
أذكر حينها أني طرحت الموضوع للنقاش على مجموعة من الزملاء وتباينت وجهات نظرهم حول حد التعاون المسموح به بين الصحفي والسفارات الأجنبية.
تذكرت الأمر حينما برزت قضية مدير مكتب الرئيس طه عثمان على السطح خلال الأيام الماضية، كيف لوزير دولة توكل إليه مهام خارجية كبيرة أن يحمل جنسية دولة عربية أخرى تُحتم عليه الأخلاق والقيم أن يدين إليها أيضاً بالولاء والطاعة..!
علاقات السودان الخارجية ليست ثابتة، يحيطها المد والجزر من أي جانب، تقوى وتزداد مع دول خلال فترة ثم تضعف وتفتر خلال فترة أخرى، وكما تبحث الدول عن مصلحتها يبحث السودان عن مصلحته، فهل من المناسب أن يمتلك بعض من يشغلون مواقع حساسة في الدولة جوازين وجنسيتين؟
فلتتخيلوا إن كانت هناك مجموعة من خمسة وزراء أو مسؤولين يحملون جنسيات أخرى مع السودانية، ويعمل كل منهم على تقوية علاقات السودان مع بلده الثاني كيف سيكون الحال؟
هناك جوانب إيجابية من جهة وسلبية من جهة أخرى تتمثل في وجود تيارات متصارعة داخل السلطة.
إذاً ما الذي يجعل صحفي يحمل جنسيته السودانية فقط، أن يكون موضوعاً في دائرة الشبهات لتعامله مع سفارات عبر عمل محدد وواضح ولا يجعل المسؤولين من حملة الجوازات في دائرة الشبهات؟!
ولكي لا نهضم حق أولئك الوزراء والمسؤولين، فهم ساهموا حقاً في انفراجات كبيرة في علاقات السودان الخارجية مع دول محورية، نأمل أن لا تكون رهينة بذهابهم وقدومهم..!
بقلم
لينا يعقوب