الساعة تشير إلى الثامنة مساء بُعيد الإفطار الرمضاني بتوقيت العاصمة السودانية الخرطوم ، الأسر الخرطومية تنتبذ من مسطحات العاصمة الخضراء مكاناً ، لتروح عن نفسها ، وتتناول إفطارها الرمضاني في الهواء الطلق ، مُفلِتة من حصار الحيطان .
كنت يوم أمس ضمن أخوة كرام حضوراً في الإفطار السنوي لمجموعة ( ملتقى تنقسي ) على الواتس آب ، مع أبناء بلدتي الوادعة بالحدائق الخضراء شرقي المطار الواقعة على شارع عبيد ختم في وسط الخرطوم .
بعد تناول إفطارنا الشهي وأداء الصلاة ، خلدنا في إسترخاء لارتشاف أقداح الشاي والقهوة مع نكهة الهيل والجنزبيل التي تعطر الأجواء .
شق هذا الأنس الجميل ، صوت مكبر صوت ، حسبته لأول وهلة لباعة جائلين ، سرعان ما لمحت ( سارِيّنة ) الإسعاف الحمراء ، الذي ينطلق منه الصوت وقد وقف على حافة الطريق موازياً لجلستنا العامرة ، إصطنتنا إلى النداء فوجدنا السائق يتحدث من مكبر صوت الاسعاف مناشداً التبرع لانقاذ طفل منوم بمستشفى ابراهيم مالك في حاجةٍ إلى سبع حُقن ، لا أعلم ماهيتها ? ، سعر الحُقنة 750 جنيهاً إجمالي تكلفة علاجه 7500 جنيه ، جمع منها ( كما يقول ) 2200جنيهاً !
وسط دهشتنا هرعنا لنجود بما عندنا ، والسائق يهبط من إسعافه ليستلم المساهمات !
الواقعة وإن تبدو ( إنسانية ) وتثير العاطفة ، ولكن هل هذه هي الوسيلة ( المُثلى ) لإسعاف أطفالنا ، من الذين لايقوى أهلهم البسطاء على تكاليف العلاج الباهظة !
هؤلاء هم مسؤولية الدولة ، ( زُغب الحواصل ) رصيد المستقبل لاحول لهم ولاقوة ، ستُسأل عنهم أمام الله ، فلماذا لاتوفر لهم مستشفيات خاصة ، والدولة تصرف صرف ما لايخشى الفقر في ( غير الأولويات ) من مخصصات جيوش الوزراء وحاشيتهم .
ولماذا لاتكون هناك مكاتب طواريء لديوان الزكاة بالمستشفيات ، لتسهر على دعم مثل هذه الحالات التي لايقوى أهلها على توفير شربة ماء نقيّة ، فكيف بدواء بآلاف الجنيهات !
إذا كان سائق هذا ( الاسعاف الحكومي ) أو المتطوع ، قد تصرّف بما يمليه عليه ضميره ، و شهامته ، فكيف بالفقراء الآخرين من أطفال السودان ، من أين نجد لهم سائقاً ٌكسائق ابراهيم مالك ليتسول لإنقاذهم !
والله المستعان ..
ابومهند العيسابي