لم تكن لي علاقة ود و تواصل مستمر مع المدير السابق لمكتب رئيس الجمهورية الفريق ” طه عثمان الحسين ” ، و بالمناسبة حكاية (مكاتب) الرئيس دي تضخيم عملو ” طه” .. ما عندو معنى .. فقد كان ” أسامة الباز ” مديرا لمكتب الرئيس ” حسني مبارك ” ، و لا شك أن للرئيس المصري اكثر من مكتب .
كان الفريق ” طه ” سببا في إغلاق (المجهر السياسي) إلى أجل غير مسمى في العام 2013 م ، بعد أن زود قيادة الدولة بمعلومات مفبركة ، شارك في فبركتها آخرون من تحته ، بأنني هاجمت الفريق أول ” بكري حسن صالح ” في آخر عدد تمت مصادرته قبل قرار الإيقاف ، للتشويش على قرار تعيينه نائبا أول لرئيس الجمهورية !! و عندما استطعنا كسر الطوق و إرسال نسختين من العدد المصادر إلى السيدين رئيس الجمهورية و نائبه الأول من وراء ” طه ” ، عادت (المجهر) للصدور سالمة غانمة بحمد الله ، بعد أن تبينت القيادة عدم وجود هجوم على الفريق ” بكري ” في ذلك العدد ، و أنها كانت محض أكاذيب و تزييفات .
ثم تحسنت علاقتي قليلا بمدير مكتب الرئيس خلال رحلات الرئيس الخارجية الأخيرة ، و انتقلت بحذر و توجس .. من خانة العداء و الاستهداف ، إلى خانة (الاعتيادية) التي لم ترق للصداقة و الصحوبية .
و قد ظللت انتقد خلال الأشهر الماضية في (شهادتي لله) نقل الملفات من وزارة الخارجية إلى مكتب الرئيس ، و عندما فرشت له غالب صحف الخرطوم صفحاتها للحديث عن دور دول الخليج في رفع العقوبات ، كنت أعارض منفردا تلك الفكرة ، و أشدد على أن الدور الأساسي قامت به لجنة من وزارة الخارجية و جهاز المخابرات و وزارة الدفاع برئاسة البروفيسور ” إبراهيم غندور ” ، و كتبت مرارا أن الذي ينبغي أن يحيا على هذا الجهد و الاختراق هو البروف ” غندور ” و ليس غيره ، و أخذنا ننشر في (المجهر) عناوين بارزة على صدر الصفحة الأولى تأكيدا على هذا الخط السياسي ، و من بينها العنوان التالي : ( المبعوث الأمريكي : ” غندور ” قاد مبادرة رفع العقوبات عن السودان ) .
لا شك ان الفريق ” طه ” قام بأدوار مهمة في كسر جمود علاقاتنا مع المملكة العربية السعودية و دولة الإمارات العربية المتحدة ، و لا بد أن نعطي الرجل حقه و جهده ، حتى و إن صاحب ذلك الجهد أخطاء و هنات ، فجل من لا يخطيء ، و من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر .
لقد أثبتت موجة تداعيات القرار الذي لم يعلن إلا مساء أمس (الأربعاء) بإعفاء الفريق ” طه عثمان ” ، و ظل حبيس الأدراج أو طي الصدور لنحو (5) أيام منذ تسربه أو تسريبه لوسائل التواصل الاجتماعي ، و ليس الصحف ، أن الدولة تعاني من أزمة تفكير وتدبير ، فتعالت وتمددت في الفراغات هذه الموجة من الشائعات و التأليفات .. و التلفيقات و التعليقات المعطونة بالغل و التشفي من بعض الأطراف ، أو بمحاولات (القفز الجماعي) من عربة ” طه ” .. بالشماتة عليه و الإساءة له ، و هو (الفريق) الذي كان عندهم بكل (الفرقاء) ، بل بكل الدولة حتى صباح الأثنين الماضي !!
إن ما حدث خلال هذه المعمعة في اليومين الماضيين على وسائل تواصل و قروبات و صفحات (الإسلاميين) و غيرهم من المستغلين و المستغفلين ( بضم الميم) في مثل هذه الحملات (الفطيرة) و الغبية ، كحملة (البرتقال أبو دم) ، إنما يكشف عن غياب العقل السياسي في دولة (الإنقاذ) بنسختها الأخيرة ، نسخة الحوار الوطني !!
بالله عليكم .. هل هذه (الهرجلة) تناسب دولة لها مؤسسات و أجهزة و مواعين تفكير و تدبير .. أن يأتي ” طه ” للبلاد نهارا .. ثم يحاول المغادرة ليلا .. فيمنع .. ثم يسمح له لاحقا ، بتدخلات .. أو بدونها ؟!
من يلتقط تلك الصور للفريق ” طه ” عند عودته في المطار و معه الفريق ” حميدتي ” ..ثم عند مغادرته ليلا مع الوفد السعودي ؟!! و من ينشر أخبار توقيفه .. و منعه .. ثم السماح له بالسفر على متن طيران الخليج متوجها إلى السعودية لأداء العمرة ؟!!! تقبل الله منه و منا صالح الأعمال .
و لماذا تأخر صدور القرار كل هذا الوقت ليحل محل الفريق المثير للجدل مدير الإدارة السياسية بمجلس الوزراء ” حاتم حسن بخيت ” شقيق أستاذنا الكبير ” كمال حسن بخيت ” و صديقنا الدكتور ” معز حسن بخيت ” ، مع أن العالم – كل العالم – كان قد علم بالقرار قبل أيام ، دون حاجة لإعلانه رسميا في نشرات تلفزيون السودان ؟!
هل هكذا و بهذا السيناريو الغريب العجيب .. يتم إعفاء رجل يحمل كل هذا القدر و المقدار من المعلومات و الملفات الحساسة ؟!
أين نحن .. هل نحن في مسرح هزلي و عبثي ؟! هل نتابع مباراة في كرة القدم مثل مسخرة فريقنا القومي باستاد ” الأبيض ” أم أنه دافوري في ملاعب (الليق) ، ليستمتع المعلقون في الواتس و الفيس بالهجمات و الهجمات المرتدة حتى الساعات الأولى من الصباح ، و من بين المعلقين (الرياضيين) قريبون من بعض (الكبار) و مفاتيح مصادر المعلومات ، بل ربما من بينهم موجهون من بعض الأطراف بالخوض في هذه الإثارة و (الشوشرة) الضارة و المؤذية للدولة ، كل الدولة ، و ليس للسيد ” طه عثمان ” الذي ذهب ، و إن لم تذهب تأثيراته إذا ظل بالخارج ( ألا تعلمون أن الفريق امن ” عمر محمد الطيب ” مدير جهاز أمن الدولة النائب الأول للرئيس ” نميري ” قد عمل سابقا لسنوات طويلة مستشارا للأمن القومي بالمملكة العربية السعودية الشقيقة ؟!
لقد خاضت في مسلسل (دخول وخروج ” طه “) المثير ، قروبات و صفحات الحكوميين ، مثلما تبنتها مواقع (المعارضة) الوهمية و الناشطين العبثيين التي بثت الخبر قبل غيرها ، بالتسريب الأول ، ما يدل على عمق صلاتها بالسلطة .. علاقة (الأنفاق السرية) ؟!!
أوقفوا هذا العبث .. فخصمي السابق الفريق ” طه عثمان ” لم يكن (سواقا) و لا (نجارا) في القصر الجمهوري ، مع احترامي و تقديري للمهنتين ، بل كان أهم رجل في القصر بعد السيد رئيس الجمهورية و نائبيه .
لملموا أطراف هذه المسرحية المهزلة .. أوقفوا سيل الغبائن المنحدر .. و (الفش غبينتو خرب مدينتو) كما تعود أن يقول سيدي الإمام ” الصادق المهدي ” .
ثم أبحثوا من بعد ذلك عن سياسيين و مستشارين حكماء و عقلاء .. و لو بالايجار أو التعاقدات المؤقتة .. فيبدو أن دولتنا تعاني ما تعاني من أزمة غياب المستشارين السياسيين .
الهندي عزالدين