قال موقع (استراتفور) الأمريكي القريب من المخابرات الاميركية إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ترى أن من الصعوبة بمكان أن يحدث رفع كامل للعقوبات المفروضة على السودان في يوليو المقبل.
ومن المنتظر أن يقرر البيت الابيض ما اذا كان سيتم إلغاء العقوبات المفروضة على السودان بناءً على الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
ومن شأن تخفيف العقوبات أن يمنح السودان حافزاً لمواصلة العمل على تحسين قضايا حقوق الإنسان وحل الصراعات الداخلية، خاصة في ظل المراجعات الدبلوماسية التي أجرتها الخرطوم خلال العام ونصف الماضية وإقدامها على قطع العلاقات مع طهران بالرغم مما كانت بينهما من حميمية في العلاقة.
وبناءً على ذلك أقامت الحكومة السودانية تعاوناً وثيقاً مع المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى بعد أن شابت العلائق بعض التوترات في فترات سابقة. وكسب السودان من هذا التحول في السياسة الخارجية مكاسب كثيرة، وقدراً كبيراً من المصداقية الدبلوماسية لدى الدول الغربية، غير أن الجائزة الحقيقية التي نالها تتمثل فى تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك دلائل على أن السودان قادر على إحراز تقدم نحو تحقيق هذه الغاية.
انتظار المراجعة
كان الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما وقع في نهاية عهده أمراً تنفيذياً بموجبه جرى رفع عدد محدود من العقوبات التجارية والاستثمارية المفروضة على السودان منذ عقدين من الزمان.
وأشار القرار إلى أن الحكومة الأمريكية – يقودها حاليا الرئيس دونالد ترمب- ستقيم التقدم الذي سيحققه السودان في تحسين سجله في مجال حقوق الإنسان بعد ستة إشهر من المراجعة، ويمكن أن تمثل نتائج المراجعة أكبر خطوة في السودان حتى الآن لتحسين علاقته التاريخية المتإزمة بالولايات المتحدة، إلا أن المخاطر ما تزال مرتفعة.
وسينعكس قرار رفع العقوبات بصورة إيجابية على معاش الإهالي، وتنتج عنه فرص في التجارة والمساعدات العسكرية والفرص الاستثمارية التي تأتي مع رفع العقوبات الأمريكية.
ولكن كما أن التقييم الإيجابي لن يضع السودان فقط على بعد خطوات قليلة من الطريق الطويل جداً نحو التطبيع، فإن القرار السلبي يمكن أن يمحو هذا المسار تماماً.
تنوير ترمب
قبل أن ينقضى شهر يونيو الجاري، سيطلب من مختلف الوكالات والإدارات الأمريكية اطلاع ترمب على التقدم الذى حققه السودان منذ أن وقع أوباما القرار التنفيذي في يناير.
وعلاوة على بحث تحسن سجل حقوق الإنسان في السودان، من المتوقع أن توقف الحكومة عمليات إطلاق النار والإلتزام بضبط النفس في العديد من النزاعات الداخلية، بما في ذلك دارفور في الغرب وكردفان والنيل الأزرق.
وفى حال اعتبر التقييم العام للتقدم الذي أحرزه السودان مرضياً، وقررت إدارة ترمب العمل على إنفاذ أمر أوباما، فإن الولايات المتحدة سوف تخفف بعض العقوبات التجارية والاستثمارية، إلا أن ذلك سيبقي السودان أيضاً بعيداً عن التطبيع الحقيقي مع الولايات المتحدة إذ لا تزال الدولة الواقعة فى شرق أفريقيا في قائمة واشنطن للدول الراعية للإرهاب، ولم يشمل قرار أوباما تغيراً فى الملف. وبالإضافة إلى ذلك، ستبقى عقوبات كثيرة، بما في ذلك العقوبات التي تحد من صادرات الأسلحة والمساعدات الأمريكية المتوقعة فضلاً عن تلك الخاصة بالنزاع في دارفور.
القطيعة مع إيران
تنظر الولايات المتحدة إلى ملف السودان بانه لايزال غير واضح، ولكن وسط إقرار بأن الخرطوم قطعت أشواطاً كبيرة لتحسين علاقتها مع واشنطن، وبخاصة من خلال قطع علاقته مع إيران لصالح حليفتها المملكة العربية السعودية.
وكان السودان شريكاً مقرباً لإيران فى السابق، وأدى انقلاب عام 1989 الذي جلب الرئيس البشير إلى السلطة للإضرار بشدة بعلاقة السودان بالولايات المتحدة، وكان من الطبيعي أن تشكل إيران التي وضعت ثورتها الإسلامية عام 1979 البلاد في موقف يشابه الصداقة مع السودان. كما أن موقع السودان الجغرافي بالقرب من العديد من المقربين من إيران مثل غزة واليمن وإريتريا والصومال جعله نقطة عبور مثالية للتهريب وفي مقابل تعاون السودان، قدمت إيران له الدعم المالي والعسكري والنفط.
وقبل الاتفاق النووي الإيراني في العام 2015 اتهمت واشنطون كلتا الدولتين بإيصال الأسلحة ودعم الجماعات (الإرهابية) في أوائل التسعينيات، قبل تفجيرات سفارتي دار السلام ونيروبي في العام 1998 وبموجب ذلك تحول أسامة بن لادن الذي سبق وأن اقام في في الخرطوم إلى أكثر المطلوبين في الولايات المتحدة.
وكان يعتقد أن بن لادن يستخدم أنشطته التجارية في السودان كواجهة لإرساء أسس تنظيم القاعدة، ولا سيما شبكة شرق أفريقيا.
وبدأ السودان يتعاون مع الولايات المتحدة في جهودها لمكافحة الإرهاب، لا سيما من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية بعد هجمات 11 سبتمبر، إذْ قام بحملة داخلية ضد العناصر المتطرفة، مما دفع المتشددين في البلاد إلى اتهام الحكومة باسترضاء الولايات المتحدة.
وفي عام 2011 وبعد عقود من الحرب الأهلية، انقسم جنوب السودان عن السودان ليصبح دولة مستقلة وأخذ معه كل احتياطياته النفطية، الأمر الذي ترك السودان يعاني ضائقة مالية كبيرة.
وعملت المملكة العربية السعودية والتي كانت تقدم مبادرات للخرطوم منذ فترة طويلة على الاستفادة من الوضع وسارعت الرياض بالاستثمار في السودان، ووعدت بتقديم المزيد في مقابل الدعم العسكري في صراعها في اليمن. كما أتاح الدخول إلى مجال النفوذ السعودي للسودان أن يتخذ خطوة نحو إقامة علاقة أفضل مع الغرب.
وبحلول عام 2016، قطع السودان علاقاته مع إيران رسميا، وانضم جيشه الكبير إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
ولا تزال الولايات المتحدة نفسها تدرس ما إذا كانت ستلعب دوراً أكبر في الصراع اليمني، على الرغم من أنها تدعم حالياً العمليات الجوية السعودية بطائرات الناقلات والتخطيط بيد أن القوات السودانية كانت موجودة بالفعل في ساحة المعركة، مما أدى إلى تأمين مواقع إستراتيجية في مدينة عدن الساحلية مع شن هجمات متعددة ضد الحوثيين في جميع أنحاء اليمن.
وأدت محاولة المملكة العربية السعودية الناجحة لعزل السودان عن إيران إلى قلب طاولة الصراع، مما أدى إلى خفض الدعم االكبير للحوثيين ورفع مستوى القدرة على القتال للملكة العربية السعودية.
مواجهة الصراع داخلياً
للأسف بالنسبة للسودان، فإن قضية تخفيف العقوبات مع الولايات المتحدة لا يعتمد تماماً على موقفه الجديد في المجتمع الدولي.
وعلى الرغم من أن الأمر التنفيذي لأوباما يأخذ في الاعتبار سجل السودان في مكافحة الإرهاب، إلا أنه يركز في المقام الأول على قدرة الخرطوم على إحراز تقدم في قضايا أخرى، وعلى وجه التحديد وقف الأعمال العدائية في الصراعات الداخلية في السودان وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وفي الآونة الأخيرة، ومع إدراك الرئيس البشير حاجة بلاده إلى العلاقات التجارية الدولية التي سيجلبها قرار رفع العقوبات اتخذ البشير خطوات عملية نالت مباركة الولايات المتحدة. وتشمل هذه التدابير إصدار سلسلة من حالات وقف إطلاق النار من جانب واحد في الصراعات السودانية الداخلية لتوفير المساحة اللازمة للوساطة.
لكن هناك انتكاسات، إذ واصلت معظم جماعات المعارضة والمتمردين المسلحين على حد سواء مقاطعة عملية السلام، قائلين إن ضمانات السلام الحالية ليست مستدامة. وعلى الرغم من أن الخرطوم قد تكون قادرة على إظهار النوايا الإيجابية، فإنها لم تتمكن من إحراز تقدم كبير.
ووعدت الحكومة أحزاب المعارضة بأن الحوار الوطني الذي شهدته البلاد منذ عدة سنوات سيؤدي إلى حكومة وحدة جديدة. غير أن الحال لم يتغير، ولم يظهر زعماء المعارضة تفاؤلاً كبيراً، ولكن في بعض الحالات، أبدت الحكومة استعدادها للتعاون، بل قدمت تنازلات عملية محدودة مع جماعات المعارضة.
على سبيل المثال، عاد زعيم المعارضة الصادق المهدي – الذي ظل في المنفى الذاتي حتى بعد أن قامت الحكومة بتوجيه تهمة الخيانة إليه – إلى السودان في يناير، في إشارة إلى احتمال التقارب بين الحكومة، ومع ذلك فإن هذه الإنجازات المحدودة قد لا تكون كافية لرفع الولايات المتحدة العقوبات.
حواجز على الطريق
لا توجد إجابة واضحة على السؤال بشأن ما الذي ستقرره واشنطون. وعلى الرغم من التطورات السياسية الدولية، قد لا يكون السودان بذل ما يكفي على مدى الأشهر الستة الماضية لتحسين حقوق الإنسان أو حل الصراعات ليضمن موافقة الولايات المتحدة.
غير أن الولايات المتحدة قد تنظر أيضاً في العواقب المحتملة لرفض تخفيف العقوبات، وهو إجراء يمكن أن يوصل إلى القادة في السودان بأنه من غير المجدي مواصلة محاولاتهم لإحراز تقدم. وعلى العكس من ذلك، فإن إجراء تقييم إيجابي وتخفيضات للعقوبات يوفر التشجيع الضروري للخرطوم.
وفي نهاية المطاف، يقول تقرير الصحيفة إن حجر العثرة الذي يجعل من التطبيع بين واشنطون والخرطوم أمراً بعيد المنال،وبعد ما أعلن البشير أنه سيتنحى عن منصبه في عام 2020، فإنه من الأهمية بمكان بالنسبة للسودان أن يكون الانتقال إلى زعيم جديد مستقراً، ويتطلب ذلك حواراً وطنياً كبيراً.
ولم يسترد السودان صورته في عيون واشنطون، ولكن تخفيف عقوبات محدود سيقطع شوطاً طويلاً نحو تعزيز التغييرات اللازمة للبلاد لتتمتع بعلاقات طبيعية مع الولايات المتحدة يوماً ما.
الخرطوم: إنصاف العوض
صحيفة الصيحة